ثمة ما يدفعنى - للمرة الثانية خلال أيام قليلة - أن أفتح سيرة ما يجرى فى أوكرانيا من اضطرابات بسبب إحجام الرئيس يانكوفيتش عن توقيع إتفاق شراكة مع أوروبا، وهو ما يصفه المراقبون بكونه صراعا حول هوية أوكرانيا ما بين إرتباط بالإتحاد الأوروبى، أو تمسك بالإتحاد الجمركى مع روسيا الإتحادية، أو ما يقولون أنه عملية "تسييس" أوروبى لإتفاقية إقتصادية مع أوكرانيا. فنحن أمام عشرات الألوف من أعضاء أحزاب المعارضة اليمينية (فى آخر إنتخابات نيابية تفوق حزب الرئيس يانكوفيتش على تحالف اليمين بنحو أربعة فى المائة) وقد نزل اليمينيون منذ أيام إلى الميدان الكبير فى العاصمة الأوكرانية كييف مطالبين بتوقيع الشراكة مع أوروبا، ولاحظ كل المراقبين أن تحركاتهم كانت منسقة، كما فى الثورة البرتقالية عام 2004 - 2005 لا بل وأكد بوتين أن ما يجرى هو شغب حرضت أوروبا عليه وليس ثورة ثم تطور الأمر إلى محاولة إحتلالهم المبانى السيادية وضمنها مبنى الحكومة، ثم بدأوا ينثرون إتهامات ضد روسيا بأنها تسعى للسيطرة على أوكرانيا، وتدفع إلى مزيد من انقسام الشعب الأوكرانى، وبعد ذلك طلع علينا يانسينوك رئيس الحزب الوطنى اليمينى ليتهم الرئيس الأوكرانى فيكتور بانكوفيتش، ورئيس مجلس الأمن القومى أندريه كيوف بأنهما دفعا بفرق عنف تابعة لهما وسط المتظاهرين للإعتداء عليهم وتفريقهم. وتصاعد سقف مطالب المتظاهرين إلى المطالبة بإسقاط النظام، وإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة، وأخيرا إكتملت المنظومة بتهديدات أوروبية لكييف بفرض عقوبات ضد إستخدامها المفرط للقوة. طبعا هذا العمود كتب نفسه، وأنا لا أحتاج أن أخط فيه سطورا إضافية عن إنطباق العملية فى أوروبا الشرقية، وكل إجراءاتها وخطواتها مع كل ما جرى، ويجرى فى مصر، وتلك الانطباقية تقول أن كل شىء كان مدبرا هنا، كما كان مخططا هناك، وأن عنصر المؤامرة حاضر فى المشهدين على نحو لا يمكن تجاهله، كما أن ذلك (الحرك والفرك) الأوروبى والأمريكى ما زال مستمرا ضد كل الدول التى يخطط الغرب للهيمنة عليها لأسبابه الإستراتيجية، سواء استخدم قوى التطرف الدينى عندنا، أو إستعمل جمعيات المجتمع المدنى عندهم، أو دفع بخليط من الإثنين، كما يحاول الآن فى مصر.