لعقود طويلة, عمدت الحكومات المتعاقبة إلي تهميش دور علماء الدين في المجتمع والحياة العامة وعزلهم عن التأثير في توجيه أبناء المجتمع, لكن أيقنت تلك الحكومات أنها عاجزة عن معالجة استفحال الفكر المتطرف والانحلال الأخلاقي, واستغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية, وإشاعة الإرهاب والعنف والفتن الطائفية وإزهاق الأرواح والاعتداء علي الممتلكات العامة والخاصة. ودعا علماء الدين إلي إطلاق قوافل للتوعية الدينية تجوب القري والنجوع بثوب جديد يناسب مستجدات ومتطلبات العصر, والتعرف عن قرب علي مشكلات الناس الدعوية, والأخذ بأيديهم من براثن الأمية الدينية, التي هي أشد خطرا علي العقول والعقيدة الصحيحة, وتصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة لدي البعض, من خلال علماء يتسمون بالوسطية والاعتدال والحكمة. كما طالبوا المؤسسات الدينية بصياغة ملامح محددة لخطاب ديني واضح المعالم, لتوعية الشباب بالإسلام الصحيح المستنير وغرس المبادئ والقيم الإسلامية لدي الشباب وإعادة المسجد إلي دوره ورسالته في التوجيه والإرشاد. ويري الدكتور أحمد كريمة, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, انه يجب التفرقة بين شباب طاهر بريء لا يزال علي الفطرة وشباب فقدوا العقل والإدراك وتم استقطابهم وتجنيدهم أو شراؤهم بالأموال, فالأولي من باب التدابير الوقائية, أن يقوم العلماء الراسخون بالتوعية السليمة بمراعاة فقه الواقع وفقه الأولويات والمصالح, ويجب علي الداعية انتقاء الموضوع الملائم لقضايا الشباب بمعالجة حكيمة مع استصحاب الأدلة والبراهين, خاصة في قضايا التكفير والعنف الفكري والعنف المسلح, وفي قضايا المصالح العليا للوطن بالحجج الواضحة, ومن وسائل ذلك القوافل الدعوية الجادة وليست الصورية أو المظهرية, والمقصود هنا قوافل حوارية وليست قوافل وعظية, أي الاستماع إلي الشباب والردود بالأدلة الدامغة بتفعيل المنهج الحواري القرآني مع الشباب, أما الشباب الذين تم تجنيدهم أو استقطابهم فلا أمل فيهم يرتجي حيث يتعرضون ل( غسيل مخ) وقد تفلح فيهم المعالجة الدعوية. وأضاف أنه لابد أن يكون الخطاب الديني واضح المعالم, أما عقد ندوات ومؤتمرات تدور حول تجديد الخطاب الديني, فهي عبارة عن ثرثرة قد تؤخر لأنه لابد أن يعهد في ذلك إلي علماء أجلاء يشخصون الداء ويصفون الدواء والأزهر الشريف ملئ بالكفاءات القادرين علي نشر الفكر السليم. دور المساجد والكنائس وشدد الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة حلوان, علي أهمية دور المسجد والكنيسة كمؤسسات دينية لمواجهة هذا الخلل في السلوك, وتصحيح المفاهيم الخاطئة لدي الشباب التي يعاني منها الكثيرون عن حدود التعبير عن الرأي, ذلك أن الخطاب الديني, سواء كان المسجد أو الكنيسة ينبغي أن يبين الضوابط التي يتم في نطاقها التعبير عن الرأي, وفيها أن يكون التعبير عن الرأي محققا لمصلحة عامة لا لمصلحة خاصة أو حزبية, وأن يكون التعبير عن الرأي في إطار سلمي لا يتضمن إتلافا للمنشآت العامة أو الخاصة, وأن يبين هذا الخطاب الدعوي حرمة حرق الأشجار كما حدث من بعض الطلاب وامتهان لقاعات العلم. ويؤكد الجندي أن الخطاب الديني الموجة للشباب لابد أن يتضمن قيمة العلم والعلماء وعدم الإساءة إليهم والتأكيد علي الانتماء والولاء للوطن وليس لهذا الفصيل أو ذاك, لأنه كما جاء في الأثر حب الوطن من الإيمان. مواجهة الإرهاب وفي سياق متصل يقول الدكتور أحمد عمر هاشم, عضو هيئة كبار العلماء, إن واجب كل مخلص غيور علي وطنه وأمته, أن يعهد إلي توعية الشباب بالحفاظ علي أمان مصر واستقرارها, ذلك لأن فوضي العنف والإجرام حين تزداد حدتها علي هذا النحو المزري بالقيم, والذي يعمل علي إهدار حقوق الإنسان في صورة لا إنسانية يستوجب هذا التصرف علي المجتمع بكل فئاته أن يقف صفا واحدا في مواجهة العنف والإرهاب, ويستوجب علي كل مسلم قادر علي إيقاف حمامات الدم أن يتصدي لإيقافها, وأن يتعاون الجميع لإعادة السلام والأمان والاستقرار, ومناهضة المفسدين, وأن يقف الجميع صفا واحدا, وألا يتستر أحد علي أحد من الظالمين فإن من أعان ظالما تسلط عليه, والله تعالي يحذرنا في كتابه الكريم, قائلا: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة سورة الأنفال(52) وأضاف: إذا كانت هناك مسئولية شخصية لكل إنسان فإن علينا مسئولية جماعية يجب أن ينهض بها المجتمع الإسلامي متضامنا ومتعاونا علي البر والتقوي, لأن السلبية واللامبالاة حيال ظواهر العنف والإرهاب لا تولد إلا تفاقم الشر, وأن تأخذ العدالة مجراها في كل موقع وفي كل زمان ومكان, فباجتماع الإيمان والعدل يكون الأمان قال الله تعالي: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون سورة الأنعام(28). دور المؤسسات الدينية ويري الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم, عميد كلية أصول الدين بأسيوط, أن المؤسسات الدينية عليها مسئولية كبيرة في توعية الشباب وخاصة جامعة الأزهر, وهي الجامعة العريقة التي تقوم بتعليم الشباب الفكر الوسطي, والإسلام المستنير, بخلاف غيرهم ممن تعلموا تعليما خاطئا وقد غذاهم من لا فقه له بأن علماء الأزهر علماء سلطة, وهي كلمة باطلة لا أساس لها من الصحة تطعن في العلماء الذين لا يريدون بعلمهم إلا وجه الله سبحانه وتعالي, هذه الفئة القليلة التي تجمع حولها بعض الشباب ممن لا فقه لهم تستوجب من إمام المسجد أن يبذل جهدا مضاعفا لتوعية الناس وهذا يتطلب منه مجاراة العصر ووعيه بأمور المجتمع كلها, وأن يقترب من الشباب لحل مشاكلهم ودراسة ما يدور في خواطرهم لكي يمحو المفاهيم الخاطئة التي يفهمها الشباب من غير أهل العلم كتفسير المجتمع علي أنه مجتمع جاهلي, وأن عقائد الناس تحتاج لتصحيح, ومن هنا يأتي دور المسجد لتصحيح وبيان الخطأ من أهل العلم والاختصاص. وأضاف: هناك أكثر من90% من الشباب لديهم أفكار خاطئة وهنا اقترح أن تكون هناك مادة إجبارية يدرسها الطلاب بالمدارس والجامعات عن وسطية الإسلام أو عن المفاهيم الخاطئة التي يحتاج الشباب لتصحيحها من خلال محاضرات مكثفه يحضرها الشباب لتوعيتهم بالفكر الصحيح ويطرح الشباب خلالها أسئلة للنقاش وهذا ضروري لتنبيه شبابنا ضد المفاهيم المغلوطة.