من الأمراض الاجتماعية التي أصابت حياتنا مرض الإهمال والتسيب واللامبالاة والتقصير في الأعمال والتهاون في أدائها وعدم إتقانها, وكم من كارثة وجريمة كان سببها الإهمال, به تتعطل المصالح وتهدر الأموال ويقل الإنتاج ويضعف الاقتصاد وتتعرض النفوس للأخطار, وكان آخر هذه المظاهر تأثيرا علي المجتمع موت أكثر من خمسين طفلا تحت عجلات القطار. ولذلك سعي الإسلام إلي تربية أبنائه علي تحمل المسئولية بكل صورها, أفرادا ومجتمعات, هيئات ومؤسسات, شعوبا وحكومات, قال رسول الله, صلي الله عليه وسلم:( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, فالإمام راع ومسئول عن رعيته, والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته, والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها, والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته, وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته). وكان اهتمام الإسلام بالعمل اهتماما بالغا وربط بين العمل والإيمان بشكل مستمر وقد حذرنا الله, عز وجل, من هذا الإهمال وأخبرنا بأنه رقيب علينا وينظر إلي أعمالنا:( وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)(التوبة105) وقال تبارك وتعالي:( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد)(آل عمران30) الاستخفاف بالأرواح ويوضح الدكتور عبدالوارث عثمان, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن الإسلام دعا إلي احترام الإنسان وتكريمه, كما قال الله تعالي:( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر), فجاءت الشرائع السماوية كلها داعية إلي الحفاظ علي حرمة الدم الإنساني وإزهاق الأرواح, ومن ذلك ما ورد أن رسول الله, صلي الله عليه وسلم, أن حرمة الدم أشد عند الله من حرمة هدم الكعبة, وليست حرمة دم المسلم وحدها, وإنما تمتد لتشمل حرمة جميع الآدميين, الذي خصهم الله تعالي, بأن جعل الروح في أبدانهم, وكلفهم بتعمير الأرض ونشر الخير فيها, فالإنسان الذي يهمل أو يقصر في جودة وسائل التنقل, وصيانتها, يحاسبه الله حسابا شديدا, لأنه استخف بالروح البشرية, والنفس الإنسانية, ولاشك في أن عقابه عند الله مؤكد, ولك أن تنظر في قول عمر بن الخطاب, رضي الله عنه, قال:( لو أن بغلة تعثرت في طريق من طرق العراق لسئل عنها عمر), فهو يتحدث عن بغلة تتعثر فتتأذي من هذه العثرة, فما بالك بمن يتسبب في قتل النفس؟ وأضاف: أن النبي, صلي الله عليه وسلم, توعد من يتسبب في قتل الناس عمدا أو إهمالا, فقال, صلي الله عليه وسلم,( ما من ابن آدم يقتل علي هذه الأرض إلا وعلي ابن آدم الأول يعني قابيل- كفل من ذنبه) لأنه أول من سن القتل, وهذا يدل علي خطورة ما في إزهاق الأرواح, وإسالة الدماء البريئة, فالتهاون في حماية أرواح الناس فعل قبيح لا يقبله الإسلام, ولا يصدر من عاقل أو مؤمن. خيانة الأمانة ويقول الدكتور أسامة فخري الجندي, الباحث في شئون الدعوة, إن حوادث الطرق حرب مدمرة, تنزف فيها الدماء, والأجر الذي يتقاضاه علي العمل ليس أجرا علي عمل الوظيفة فقط, وإنما هو أجر من كافة أصحاب المصالح في المجتمع, فكأن صاحب الوظيفة العامة في الدولة هو موظف يؤجر من الجميع علي عمله, ومن يهمل إذن من أصحاب الوظائف العامة, يكون في وضع من يأخذ أجرا ولا يعطي عملا مقابل ما يأخذ, وهذا أكل الأموال بالباطل, المنهي عنه في قول الله تعالي:( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)( النساء:29). كما يجب علي الجهات المعنية وقبلهم الأفراد جميعا أن يبحثوا منع الأسباب المؤدية لهذا الاستهتار المتكرر بحياة البشر, وأن يتم إصدار قانون يجرم مثل ذلك الإهمال ويعاقب عليه. وأضاف: إن من تسبب نتيجة إهماله في موت نفس إنسانية, فعليه الضمان, أي ضمان كل ضرر يلحق بالمتوفي وبأهله, فالتقصير في أداء العمل سواء بالتغيب عنه أو عدم إتمامه أو الإهمال فيه يعد من الخيانة المحرمة, فكيف بمن يهمل بأنه تسبب في إزهاق النفس الإنسانية ؟! إن الأصل الواجب علي كل إنسان حفظ الأمانة وأداؤها, ومراقبة الله تعالي في جميع أمره, فيصدق في قوله وعمله, ولا يسلك مسالك الخيانة والشبهة, ولا يرد موارد الظن والريبة, وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:( أد الأمانة إلي من ائتمنك, ولا تخن من خانك) رواه الإمام أحمد وأهل السنن, فالواجب إذن علي كل إنسان أن يتقي الله وأن يؤدي الأمانة بغاية الإتقان وغاية النصح, يرجو ثواب الله ويخشي عقابه ويعمل بقوله تعالي:( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها). تفعيل القانون ويطالب الدكتور أحمد حسين, وكيل كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر, بتضافر الجهود الرسمية والشعبية, للمحافظة علي النفس البشرية, لأنها ثروة الوطن الحقيقية, فأبناؤنا وشبابنا وأطفالنا الذين تحصدهم يد الإهمال واللامبالاة وعدم الاكتراث واللامسئولية كثيرون يدمون قلوبنا, ويقطعون أفئدتنا, وتفعيل القانون الصارم, الذي يأخذ حقوق هؤلاء الأبرياء, ويقتص من قاتليهم.