في ظل سعي الدولة حاليا لتحقيق العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع, والاتجاه لتطبيق الحدين الأعلي والأدني للأجور, أكد علماء الدين أنه لا عدالة اجتماعية دون النظر لمطالب أصحاب المعاشات ومراجعة قانونهم بما يتواءم واحتياجاتهم الضرورية, وحماية أموالهم بما يضمن توفير الحد الأدني الذي يكفل لهم حياة كريمة, ولا يعوزهم إلي استجداء لقمة العيش أو الدواء من هنا أو هناك. وطالب العلماء باستثناء أصحاب المعاشات من الروتين القاتل الذي يغلب علي الجهاز الإداري بالدولة وتذليل جميع الصعاب التي تواجه كبار السن, علي أن تمتد العناية بكبير السن إلي الجانب الروحي والترفيهي أيضا وليس المادي فقط. واستنكر العلماء تخلي الدولة عن المواطن متي تقدمت سنه وبلغ مرحلة الضعف والكهولة, من حيث الخدمات والرعاية الصحية التي كان يتمتع بها قبل خروجه إلي المعاش. ويقول الدكتور ناصر محمود وهدان, أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة قناة السويس, إن النظر للمعاشات علي أنها منة من الدولة وفضل تكرمت به علي المواطن هي نظرة خاطئة وظالمة, فالمعاش الذي يتقاضاه المواطن بعد خروجه من عمله هو حق أصيل له وواجب علي الدولة تجاه رعاياها, فالأصل في الدولة المسلمة أن تشمل رعايتها جميع مواطنيها لا سيما الفقراء والضعفاء وذوي الحاجات والأعذار ويلحق بهؤلاء أو يشملهم بالطبع كبار السن والمحالون للمعاش, ولكن يجب ان يكون ذلك بما لا يتفاوت كثيرا عما كان يتحصل عليه المواطن أثناء خدمته بالعمل, فليس من المعقول أن يكون ما يتحصل عليه المواطن لا يوازي نصف مصروفات وحاجيات صاحبه, وكلنا يعلم أنه خاصة في ظل تفشي ظاهرة البطالة وتأخر سن الزواج أصبح الإنجاب يتم في سن متأخرة للرجل أو المرأة, وسرعان ما يحال الرجل إلي المعاش ويبلغ الستين ولا يزال أولاده في مرحلة الجامعة أو أقل, ويجد الرجل نفسه مطالبا بتزويج أبنائه وتوفير سكن لكل منهم, فضلا عن احتياجاته الشخصية من مصروفات وعلاج ونحو ذلك, يأتي ذلك في الوقت الذي يتراجع فيه دخله إلي أقل من نصف ما كان يتقاضاه قبل الإحالة للمعاش. وهذا ما يوجب علي الدولة إعادة النظر في قانون المعاشات بما يلبي هذه المطالب. الرحمة بالمسنين وأشار إلي أن من عظمة الإسلام ورحمته بالناس لا سيما المسنين أن يحسن إلي المسن حتي ولو كان كافرا, فقد مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر, فضرب عضده من خلفه فقال من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودي. فقال فما ألجأك إلي ما أري؟ فقال: أسأل الجزية الحاجة والسن. فأخذ عمر بيده وذهب به إلي منزله فأرسل إلي خازن بيت المال أنظر هذا: فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم, ووضع عنه الجزية وعن أمثاله. كما ضرب لنا الرسول صلي الله عليه وسلم وهو قدوة الأنام لنا أروع النماذج في التواضع والإحسان والتكريم حين طلب من أبي بكر رضي الله عنه أن يبقي والده المسن في بيته ويأتيه. فروي أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه جاء بأبيه أبي قحافة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم الفتح, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لأبي بكر: لو أقررت الشيخ في بيته لأتيته تكرمة لأبي بكر. فأسلم ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا, فأي عناية بالكبير ورحمة به أبلغ من هذا. اهتمام معنوي ويقول الداعية والباحث الإسلامي الدكتور عبد الله كامل, إذا كان مطلوبا الاعتناء بكبار السن لفضلهم وضعفهم وما يواجههم من احتياجات بعد تقاعدهم عن العمل, فإن هذا الاهتمام يجب أن يتضاعف اليوم نتيجة تباعد العلاقات الاجتماعية وتقطع الأرحام, فلم يعد الابن يكترث بأبيه الذي رباه وأنفق عليه عمره قبل ماله, وكذا الأمهات أكثر مأساة ومرارة, لذلك فعلي الدولة بجميع أجهزتها تسليط الضوء علي هذا الجانب, والتأكيد علي أن الاهتمام بكبار السن ليس ماديا فقط, بل يجب أن يكون ماديا وروحيا في الوقت نفسه, وهذا ما عبر عنه التوجيه القرآني في قوله تعالي.. إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما, فالاهتمام بكبار السن لا ينتهي عند الجانب المادي, بل الإسلام يحض علي مراعاة مشاعرهم وإكرامهم حتي في القول, مع احتوائهم وتوقيرهم واحترامهم وعدم إظهار الضجر منهم, لما قد يصدر منهم من أفعال أو أقوال. وقد جسد القرآن في قصة سيدنا إبراهيم مع أبيه آزر حين دعاه وهو يصنع ويعبد الأصنام, فتلطف في بلاغه مراعاة لسنه رغم شركه واختلافه في الدين, فكرر خمس مرات في خمس آيات متتالية قوله يا أبت( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا, يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا..). وأضاف أن الإسلام أعلي من مكانة كبار السن وكرامتهم حيث جعل توقير الكبير والتشبه به سمة من سمات المجتمع المسلم, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم, وقال أيضا ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويحفظ للعالم حقه.