منذ ما قبل ثورة30 يونيو تواجه السياسة الخارجية المصرية تحديات عدة فقدت معها بوصلتها وأولوياتها الوطنية. وقد فرضت الثورة وتداعياتها ضرورة إحداث تغييرات جذرية في توجهات مصر الخارجية وأنماط تحالفاتها. وفي هذا السياق تعتبر الصين شريكا مهما وواعدا لمصر يؤكد ذلك مجموعة من الحقائق: أولاها, موقف الصين من الثورة المصرية, ففي الوقت الذي تصاعدت حدة الهجوم علي مصر والمصريين من جانب الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي في موقف مخجل ومتناقض مع ادعائهم باحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها, وتهديدهم ووعيدهم بمعاقبة الشعب المصري علي ثورته ضد الاستبداد والفاشية الدينية. أكدت الصين احترامها لإرادة الشعب المصري وعدم تدخلها في شئون مصر الداخلية, ودعمها كل الجهود التي تحقق الاستقرار والازدهار لمصر وشعبها. وأن الصين تحترم الشعب المصري والنظام الذي يختاره وتحرص علي الصداقة التقليدية مع مصر. وكما أن الصين لا تنسي أن مصر كانت أول دولة عربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية عام1956, ومثل ذلك في حينه دعما سياسيا كبيرا في مواجهة الهجمة الأمريكية والغربية الشرسة عليها, فإن مصر حكومة وشعبا لن تنسي موقف الصين من الثورة المصرية والذي جاء داعما ومعضدا للإرادة الوطنية. ثانيتها, الصعود الاقتصادي المذهل للصين ونموذجها غير الأناني في التنمية. فعلي مدي العقود الثلاثة الماضية, ومنذ بدء تطبيق سياسة الاصلاح والانفتاح علي الخارج عام1978, حققت الصين قفزات تنموية خارقة حتي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الاقتصاد الأمريكي وبفارق محدود. وفي الوقت الذي يعاني الاقتصاد الأمريكي والأوروبي أزمات حادة ويشهد تراجعا واضحا, يعتبر الاقتصاد الصيني الأسرع نموا علي مدي الثلاثين سنة الماضية بمعدل نمو سنوي تجاوز10% لسنوات, وبلغ7.8% في الربع الثالث من العام الجاري, ليؤكد استمرار الصين كعملاق تجاري وأكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم. وعلي خلاف النموذج الأوروبي والأمريكي في التنمية والذي قام علي استغلال ثروات الأمم والشعوب من خلال الاستعمار والاستعباد فيما يشبه مصاصي الدماء الذين يزدهرون علي جثث ضحاياهم, فإن اللافت للانتباه أن الصين تؤمن بأنه لا يمكنها تحقيق تنمية حقيقية دون أن يصاحب ذلك تنمية لشركائها من خلال الاعتماد المتبادل, واحترام الخصوصية في التجربة التنموية لكل دولة وتنوع مسارات التنمية بين هذه الاقتصادات, انطلاقا من أنه لايمكن فرض نموذج تنموي بعينه علي كل الدول. كما تؤكد الصين أنها مازالت تنتمي إلي العالم النامي لأن التنمية مازالت مستمرة فيها, وذلك لتحقيق هدفين أساسيين يمثلان معا حلم الصين, وهما: تحقيق مجتمع الرفاهية وزيادة نصيب الفرد من الدخل القومي بحلول عام2020, والوصول بالصين لتصبح دولة غنية ديمقراطية حديثة بحلول عام2049, أي في الذكري المئوية لثورة.1949 وترتبط هذه الرؤية بتنمية وازدهار العالم, فهي ليست تنمية أنانية, علي حد تعبير المسئولين الصينيين, وإنما تقوم علي مبدأ الفوز المشترك ودعم التنمية في الدول الاخري, وأن حلم الصين هو حلم العالم. وفي التقرير الدفاعي السنوي لعام2008 الصادر عن الحكومة الصينية في يونيو2009, والذي يعكس الاستراتيجية العسكرية للحزب الشيوعي الصيني, ربطت بكين بين تطورها الاقتصادي, وتحديث وتطوير قدراتها العسكرية. وعلي مدي الخمس سنوات التالية حدثت طفرة في مستوي التسلح الصيني التقليدي والنووي وصناعة الأسلحة بها. إن الصين بقدراتها الاقتصادية والعسكرية الكبيرة والمتنامية تمثل إحدي القوي الكبري الفاعلة والمؤثرة في عالم يتجه بوضوح نحو التعددية. ولمصر رصيد تاريخي ضخم من التعاون والصداقة مع بكين. وكم لمست خلال زيارتي للصين عمق الصداقة والاحترام لمصر وشعبها, والنظر إليها كصديق وشريك من جانب المسئولين والأكاديميين, ودفء مشاعر الصينيين تجاه المصريين, وإن ما يجعنا كشعوب شرقية لها ثقافات وحضارات تضرب بجذورها في أعماق التاريخ عظيم جدا. لقد آن الأوان أن تؤسس مصر لشراكات تخدم مصلحتها الوطنية وتساعد علي تنمية اقتصادية واجتماعية تمكن مصر من تلبية احتياجات مواطنيها المتزايدة وتطلعاتهم لحياة أفضل. وتأتي الصين في مقدمة الشركاء الواعدين لمصر, يدعم ذلك التاريخ الممتد من الصداقة والتعاون بين البلدين وعشرات الاتفاقات التي تؤهل لانطلاقة حقيقية في العلاقات المصرية الصينية أبرزها اتفاق التعاون الاستراتيجي الذي تم توقيعه بين البلدين عام1999, ومازال بعيدا عن التفعيل الكامل. فالأطر القانونية والسياسية متوافرة, ولكن يظل الحاجة إلي إرادة التفعيل من خلال مشروعات تنموية تخدم مصالح الطرفين في مجال الطاقة والصناعة, خاصة صناعة الغزل والنسيج, والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وغيرها. وتمثل مصر نقطة ارتكاز مهمة يمكن من خلالها غزو الأسواق الإفريقية من خلال منتجات مصرية صينية مشتركة. لقد اتخذت الصين العديد من الخطوات لدفع التعاون مع مصر, وعلي مصر تحديد أولوياتها من الشراكة مع الصين والسير بخطي ثابتة وواضحة نحو تنمية اقتصادية واجتماعية تمثل أساسا قويا لاستقرار سياسي ننشده جميعا. لمزيد من مقالات د.نورهان الشيخ