الغاية من أي حوار البحث عن مشروع مشترك يلتزم به المتحاورون من أجل تجسيده لتغيير وضع قائم مأزوم. وفي يناير1941 تأسست جماعة اسمها إخوان الصفا كان من أعضائها قساوسة وشيوخ, وأساتذة من جامعتي الأزهر وفؤاد الأول. وكان الأب الروحي لهذه الجماعة المستشرق والدبلوماسي الفرنسي لويس ماسينيون, إذ هو الذي حدد الغاية من تأسيس هذه الجماعة وهي إجراء حوار إسلامي مسيحي لإشاعة روح التصوف مستندا في ذلك إلي المتصوف المسلم الحسين بن منصور الحلاج المشهور عنه هذا القول المفارق أنا الحق. وقد عبر عنه شعرا علي النحو الآتي: أنا من أهوي ومن أهوي أنا/ نحن روحان حللنا بدنا.. فاذا أبصرته أبصرتني/ وإذا أبصرته أبصرتنا. وكان الحلاج يقصد بالروحين هو والله. وبسبب هذه الهوية بينه وبين الله سجن في عام1913 وأعدم في عام922 بدعوي أنه كافر. وقد انعكست محنة الحلاج علي جماعة إخوان الصفا, إذ أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارا بإلغائها, إلا أن الرئيس السادات أصدر بعد ذلك قرارا بإحيائها ولكن تحت مسمي الإخاء الديني. وتزامن هذا القرار مع قرار آخر وهو الافراج عن المعتقلين من جماعة الاخوان المسلمين. ومغزي هذا التزامن أنه يدخل المسلمون والمسيحيون في مشروع مشترك وهو إقصاء اليسار والناصريين والشيوعيين من الحياة السياسية, وقد كان, إلا أن المفارقة هنا أن الرئيس السادات قد تم إقصاؤه من الاخوان المسلمين وذلك باغتياله في6 أكتوبر.1981 وفي عام1962 دعا البابا يوحنا الثالث والعشرون إلي عقد المؤتمر الثاني للفاتيكان من أجل إحداث تغيير لاهوتي يبرر الانفتاح علي الأديان غير المسيحية بدعوي أن الله قد كشف عن ذاته في أشكال متعددة من الايمان, ومن ثم فلا مبرر للادعاء بتميز المسيحية عن غيرها من الأديان الأخري. وبناء عليه فقد امتد الحوار من الإسلامي المسيحي إلي حوار بين الأديان من غير إقصاء لأي دين. ومع ذلك فانه بعد انتهاء المؤتمر في عام1965 عاد الوضع بعد خمس سنوات إلي ما كان عليه, وبذلك تحكم المحافظون من الكرادلة, ومن ثم لم تعد عصمة البابا بل لم تعد عصمة الكنيسة موضع شك لاهوتي.إلا أن هانس كينج أستاذ اللاهوت العقائدي ومدير معهد الدراسات المسكونية بجامعة كوتنجن بألمانيا رفض المحافظة علي الوضع القائم بل ثار عليه, وكانت حجته في هذه الثورة أنه لا سلام بين الأمم من غير سلام بين الأديان, ولا سلام بين الأديان إذا توهمت الكنيسة امتلاكها للحقيقة المطلقة. بيد أن ثورته لم تكن مقبولة من الكرادلة المحافظين بدعوي أن الانفتاح علي الأديان الأخري يفضي إلي إحداث بلبلة فكرية. وقد أسهم في وأد ثورة هانس كينج الصراع بين العرب واسرائيل, وبين السنة والشيعة, وتعصب اليهود الأرثوذكس في اسرائيل خوفا من تحول اليهود إلي أديان أخري. وقد أسهم في وأد ثورة هانس كينج أيضا فكر سيد قطب الداعي إلي شن حرب إبادة ضد الكفرة الذين يروجون للعلمانية في الأنظمة العربية. ومن هنا يري المفكر الإسرائيلي عمانوئيل سيفان أن ثمة عدوين لدي الأصولية الاسلامية: العدو الأقرب والعدو الأبعد. العدو الأقرب هو الحكومات العربية التي تتعاون مع النظام الأمريكي. أما العدو الأبعد فمحصور في أمريكا واسرائيل, إذ أن ابادتهما تأتي بعد القضاء علي العدو الأقرب. والسؤال اذن: اذا كان ذلك كذلك فهل ثمة بديل عن حوار الأديان؟ في أول يناير1983 أصدر البابا يوحنا بولس الثاني قرارا بتأسيس المجلس البابوي للثقافة وفي أول اجتماع لذلك المجلس في17 يناير من ذلك العام أعلن البابا أن ثمة علاقة عضوية بين الثقافة والرسالة المسيحية لثلاثة أسباب: السبب الأول أن الثقافة وسيلة الانسان لتحقيق انسانيته. والسبب الثاني أن الثقافة لها تأثير علي الحياة الدينية للمؤمنين. والسبب الثالث أن علي المسيحيين فهم ثقافة الآخرين لتدعيم التفاهم الثقافي. وفي16 ابريل من عام1986 تسلمت خطابا من الأب هيرفيكارييه أمين عام المجلس البابوي للثقافة ينبئني فيه بأن الكاردينال بول بوبار رئيس المجلس البابوي للثقافة قد وافق علي عقد مؤتمر مشترك بين المجلس والجمعية الفلسفية الأفروآسيوية, التي كنت أشرف بتأسيسها ورئاستها, تحت عنوان الثقافات في صراع أم في حوار. وكان الرأي عندي أنه إذا توهمت إحدي الثقافات أن هويتها مطلقة فإنها تكون عندئذ قد أعلنت الحرب علي الثقافات الأخري لإخضاعها لمطلقها. أما إذا امتنعت عن السقوط في ذلك الوهم ودخلت في حوار مع الثقافات الأخري التي تسايرها في ذلك الامتناع فان هذه الثقافات كلها تكون نسبية وليست مطلقة وتكون مشروعية الحوار, في هذه الحالة, ممكنة. ومع ذلك يبقي سؤال في حاجة إلي جواب: ما هو المشروع المشترك الكامن في حوار الثقافات؟ أن تدخل في علاقة عضوية مع الحضارة الانسانية الواحدة التي تنتقل, في مسارها, من الفكر الأسطوري إلي الفكر العقلاني. ولا يصح بعد ذلك أن يقال عن هذه الحضارة إنها غربية أو شرقية إنما يقال عنها إنها انسانية. وتبقي المنافسة بين الثقافات كامنة في مدي اقترابها من الحضارة الانسانية أو ابتعادها منها. فاذا اقتربت يقال عنها إنها ثقافة متحضرة وإذا ابتعدت يقال عنها إنها ثقافة غير متحضرة أو بالأدق تتاريه. وإذا أردت مزيدا من الفهم فانظر إلي ثقافتنا الآن فماذا تري؟ تري أنها ثقافة من الضرب الثاني. لمزيد من مقالات مراد وهبة