ما بين الهروب من جحيم الوطن إلي الارتقاء إلي جنة الغرب تكمن قمة التراجيديا. المهاجرون غير الشرعيين يحلمون, لكن حلمهم لا يكتمل أبدا, فلديهم ثلاثة خيارات لا رابع لها, إما الموت أو الاعتقال أوالتشرد في أفضل الأحوال. وفي ظل ما تشهده أمريكا وأوروبا من أزمات اقتصادية وتبعات كارثية لانهيار اقتصادياتها, توجهت الأنظار وخاصة اليمين الأوروبي والأمريكي باتجاه المهاجرين وكيفية تقييد حركة الهجرة غير الشرعية. ولعل مآسي' قوارب الموت' في لامبيدوزا ومالطا خلال أقل من أسبوع والتي أودت بحياة مئات المهاجرين خاصة من الأفارقة تكشف كيف تحولت الهجرة غير الشرعية إلي جحيم يحرق المهاجر وجنته الموعودة. الظاهرة أصبحت صداع في رأس أوروبا وحولت البحر الأبيض المتوسط إلي' مقبرة كبيرة' لآلاف المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحثا عن حياه أفضل. وما شهدته جزيرة لامبيدوزا الإيطالية الأسبوع الماضي يعتبر أسوأ كارثة إنسانية شهدتها أوروبا علي مدار عشر سنوات. تداعيات مأساة لامبيدوزا تلقي بظلالها علي النقاش السياسي في أوروبا حيث بدأت بعض الأصوات ترتفع بضرورة إعادة النظر في سياسة الهجرة الأوروبية وتغيير القوانين المرتبطة بالهجرة وفتح حدود القارة العجوز. وعلت النداءات في دول الاتحاد الأوروبي التي تؤكد ضرورة السيطرة علي قضية الهجرة غير شرعية والحد من تفاقم أعداد المهاجرين الشرعيين أيضا. وتنتشر علي السواحل الأوروبية مئات القبور التي تحمل شواهد كتب عليها' هوية مجهولة' أو' مواطن أفريقي' تحوي جثثا لفظها البحر المتوسط ودفنت دون مواكب تشييع ودون أن يتعرف علي أصحابها أحد. ومن سخرية القدر أن قبور ضحايا الحلم الأوروبي كثيرا ما يحفرها ويتعهدها مهاجرون آخرون مستعدون هم أيضا لتحدي الموت بزوارق صغيرة علي أمل الوصول إلي الشواطيء الأوروبية. والهجرة بشكل عام تكون دوافعها اقتصادية أو مادية من الدرجه الأولي. فالارتقاء بمستوي المعيشة وتحقيق حياه أفضل أبرز أهداف المهاجرين. لكن معدل الهجرة إلي دول أوروبا وأمريكا الآن أصبح معدل مثير للرعب, وأظهرت أخر إحصائية نشرتها إدارة الشئون الاجتماعية والاقتصادية بالأمم المتحدة لقياس تعداد المهاجرين أن العدد الأكبر من المهاجرين في العالم يوجد في الولاياتالمتحدة ويبلغ45.8 مليون مهاجر في عام2013.. ووصل حجم المهاجرين الدوليين عبر العالم نحو232 مليون شخص في عام2013, أي3.2% من إجمالي تعداد سكان العالم, مقارنة ب175 مليون مهاجر في العام2000, و154 مليون مهاجر في العام.990 وأثارت قضية الهجرة جدلا سياسا حادا علي الساحة العالمية وخاصة في دول الاتحاد الأوروبي. ففي فرنسا, أثار قرار الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين الغجر' الروما' إلي رومانيا انتقادا شديدا في الأوساط السياسية الفرنسية والأوروبية بوصفه انتهاكا لحقوق مواطني الاتحاد الأوروبي في التحرك بحرية بين دوله, وإن لم يكن ذلك خرقا صريحا للقانون الفرنسي. وفي الولاياتالمتحدة دائما ما تعلو الأصوات من داخل الكونجرس التي تنادي بإصلاح قوانين الهجرة. وشهدت الولاياتالمتحدة وعددا من الدول الأوروبية الأسبوع الماضي مظاهرات حاشدة تنادي بإصلاح قوانين الهجرة. وفي واشنطن, اعتقلت السلطات الأمريكية8 أعضاء بالكونجرس الأمريكي بسبب مطالبتهم مجلس الشيوخ بتمرير هذه القوانين.