شاءت الظروف وأسعدني الحظ أن أكون شاهد عيان لنصر أكتوبر العظيم واستمع من الإذاعة المصرية لقرار العبور في الساعة الثانية ظهرا من يوم السبت6 أكتوبر عام1973. وأشاهد من خلال شاشات التليفزيون جنودنا البواسل وهم يمتطون زوارقهم المطاطية حاملين أسلحتهم علي أكتافهم وهم يعبرون قناة السويس إلي الضفة الشرقية ويحطمون خط بارليف الحصين ويرفعون أعلام مصر خفاقة علي رمال سيناء الطاهرة وأصواتهم تدوي بكلمة' الله أكبر' ويالها من لحظات رائعة انطلق فيها المصريون كالأسود فرحين بالنصر المبين, وشاءت الظروف أيضا أن أكون موجودا أمام باب ماسبيرو بكورنيش النيل ضمن الفنانين الذين تدفقوا علي هذا المبني ليتابعوا الإنجازات التي حققها الجيش المصري في هذا اليوم الخالد مبدين رغباتهم في الدخول للمشاركة بالرأي والكلمة والموسيقي والغناء تعبيرا عن فرحتهم بأكبر انتصار في تاريخ العسكرية المصرية. وشاهدت المبدعين الثلاثة أول من طرقوا باب باب ماسبيرو للمشاركة بأعمالهم في نصر أكتوبر وأقصد بهم الفنان الذي يقطر إخلاصا لبلده بليغ حمدي والفنانة القديرة وردة الجزائرية والشاعر المبدع عبد الرحيم منصور' رحمهم الله جميعا' وكانت تربطني بهم علاقة وثيقة جعلتني أتابع إصرارهم علي دخول المبني وتسجيل أغنية اتفقوا عليها بصفة مبدئية رغم وجود تعليمات واضحة لرجال الأمن بعدم السماح لأي فنان بدخول المبني خاصة ونحن لازلنا في بدايات المعركة وقد علمت أن الفنانة وردة تصر علي أن تكون أول مطربة مصرية وعربية تغني لانتصارات أكتوبر لسببين هامين من وجهة نظرها الأول: فرحتها بالنصر وببطولات الجنود المصريين الذين أعادوا بهذا النصر الكرامة للشعب العربي كله وغسلوا عار هزيمة67 أما السبب الثاني: هو رد الجميل لمصر التي احتضنتها كمطربة وفتحتلها الباب للشهرة ووضعتها مصر إعلاميا وفنيا كواحدة من أشهر المطربات العرب من مطربات جيلها وأنها أمضت في مصر أجمل فترات عمرها واستطاعت أن تكسب حب المصريين جميعا الأمر الذي جعلها تتشبث برأيها في أن تكون أول صوت غنائي عن نصر أكتوبر ولا تريد وردة أن يمر اليوم الثاني للنصر دون أن تكون قد انطلقت بأغنيتها عبر الأثير ولم يكن أمامها سوي أن تصر هي وبليغ وعبد الرحيم ثلاثي هذه الأغنية علي مطلب واحد وهو دخول المبني مهما كانت الظروف حتي ولو أدي الأمر إلي مقابلة كبار المسئولين بالإذاعة الذين عملوا بالأمر وطلبوا من مسئول الغناء والموسيقي وجدي الحكيم النزول إليهم وإبلاغهم بالتعليمات الواضحة ونزل إليهم بالفعل وحدثت مشادة عنيفة بينهم رغم صلته الوثيقة بهم, الأمر الذي جعلهم يطلبون منه التوجه لرئيس الإذاعة محمد محمود شعبان' بابا شارو' وبعد فترة انتظار قاربت نحو الساعة لانشغاله بمتابعة أخبار المعركة ليبلغهم بعدم وجود ميزانية لتسجيل أي أغنيات وأن الميزانية كلها مخصصة لهذا الحدث, وفي ضوء هذه الظروف همس بليغ في أذن وردة وعبد الرحيم وكانت نتيجة هذا الهمس أن طلب بليغ من رئيس الإذاعة إعطاءه ورقة بيضاء كتب عليها إقرارا بخط يده وقع عليه الثلاثة بأنهم متنازلون عن أجورهم الأمر الذي أثلج صدر بابا شارو وطلب من وجدي الحكيم الاتصال بالهندسة الإذاعية وفتح استديو46 للتسجيل وهنا ظهرت الفرحة علي وجوه الثلاثة ليجدوا الاستديو جاهز لهذه المهمة وهنا طلب من وردة الاتصال بالموسيقار أحمد فؤاد حسن رئيس الفرقة الماسية والذي تنازل عن أجره أيضا, وتجمعت كل أطراف الأغنية في الثانية ظهر اليوم الثاني للنصر الأحد7 أكتوبر لتجهيز العمل وكان بليغ قد أخذ من عبد الرحيم مذهب الأغنية وقام بوضع اللحن له والذي حفظته وردة وهو' وأنا علي الربابة بغني' ليردد معها الكورال الذي جاء إلي الاستديو' حلوة بلادي السمرة بلادي السمرة'.. وترد وردة' وأنا علي الربابة بغني ما املكش غير أغني واقول تعيشي يا مصر'.. ويكمل عبد الرحيم الكوبليه الأول بعد المذهب ويسلمه لبليغ الذي لحنه علي نفس التفعيلة اللحنية... وهكذا الي أخر الأغنية, وتفاجأ وردة بالمخرج محمد سالم مراقب المنوعات الي يتسلم نسخه من الشريط من مهندس الصوت زكريا عامر ليعرضه التليفزيون في نفس اليوم الأحد7 أكتوبر مع لقطات من عبور جنودنا البواسل لتصبح وردة بالفعل كما تمنت أول مطربة تغني لانتصار أكتوبر, وتحتفي بهذه الأغنية الإذاعة والتليفزيون والفضائيات العربية بمناسبة مرور40 عاما علي انتصار أكتوبر.