لا شك أننا في حاجة إلي بناء روح وطنية جديدة, تؤمن بحق الوطن علي أبنائه, وتدرك أن الوطن هو بيتنا الكبير الذي ينبغي أن نتعاون في بنائه وصيانته من أي مخاطر تعرضه للتصدع أو الانهيار, وأن نعمل علي رقيه وتجميله, ونظافته وأناقته, و أن يضحي كل منا بشيء من جهده وماله في سبيل ذلك, مدركين أن للأوطان علي أبنائها حقوقا كثيرة, وأن الدفاع عن الوطن جزء من صلب العقيدة, وأن العدو إذا دخل بلدا من بلادنا أو حاول وجب علينا شرعا أن نتصدي جميعا له, بكل ما أوتينا من قوة, بالنفس, أو بالمال, أوبهما معا, وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالي: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة, وأن نعلم أن من قتل دون نفسه فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد, ومن قتل دون وطنه فهو شهيد, وأن الشهادة في سبيل الوطن تنم عن نفس راقية, وحس إنساني ووطني فريد, حيث يؤثر الإنسان النبيل مصلحة وطنه علي نفسه وماله وحياته. ولنا في رسول الله أسوة حسنة في الوفاء للوطن والتعلق القلبي والنفسي به فقد نظر, صلي الله عليه وسلم, عند هجرته إلي المدينة إلي مكةمسقط رأسه حيث ولد ونشأ بها قائلا: يا مكة إنك لأحب بلاد الله إلي ولو لا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت, وعندما عاد إليها فاتحا منتصرا أكرم أهلها, حيث قال صلي الله عليه وسلم: يا أهل مكة ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم, فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. ويقول شوقي: وللأوطان في دم كل حر.. يد سلفت ودين مستحق. ويطيب لنا هنا أن نذكر بالدور الوطني الرائع الباسل, لأبنائنا, أبناء مصر, أبناء القوات المسلحة, الذين ضحوا بدمائهم في سبيل هذا الوطن ورفع رايته عالية خفاقة في حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر, تلك الفدائية والبسالة التي أعادت إلي مصر هيبتها وكرامتها بين الأمم, ونؤكد أن أبناء مصر هم خير أجناد الأرض, وقد أوصي بهم خيرا نبينا حيث قال: إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا, فإنهم خير أجناد الأرض, وإنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة. إصلاح النفس والمجتمع: علي أن الدفاع عن الوطن لا يقف عند حدود جبهة القتال, فقد قالوا: إنك لا تستطيع أن تجاهد أو تقاتل عدوا وعدوك الذي بين جنبيك قاهر لك متغلب عليك, فلابد من إصلاح النفس وإصلاح المجتمع من الداخل حتي نستطيع أن نواجه المخاطر والتحديات الخارجية, وفي سبيل ذلك لابد أن نقضي علي الفرقة والشقاق, والإرهاب والتطرف الداخلي, كما ينبغي أن نقضي علي مظاهر الفساد المالي من الرشوة, والاعتداء علي المال العام أو الممتلكات الخاصة للشركات أو الهيئات أو الأفراد, وأن ندرك أن التخريب والتدمير والفساد والإفساد يتنافي مع كل الشرائع السماوية, والأعراف والتقاليد المجتمعية, والروح الوطنية الأصيلة. بل إن الأمر ينبغي أن يتجاوز ذلك كله إلي أهمية البناء والتنمية, والعمل والإنتاج, وكل ما يدعم تحقيق أمن الوطن واستقراره, ورقيه ونهضته, والحفاظ علي مرافقه العامة, والعمل علي تطويرها وصيانتها بروح وطنية جديدة أصيلة ووفية وثابة. ولهذا كله آثرنا أن يكون موضوع خطبة الجمعة اليوم هو حق الوطن علي أبنائه. وتيسيرا علي أبنائنا الخطباء في تناول هذا الموضوع نضع بين أيديهم هذه العناصر للاستئناس بها والحديث في إطارها: حب الوطن من الإيمان. الوفاء للوطن واستشعار أن له علي أبنائه حقوقا كثيرة. دور قواتنا المسلحة و جنودنا البواسل خير أجناد الأرض في تحقيق انتصارات أكتوبر1973 م. مكانة الشهداء عند ربهم. التضحية في سبيل الوطن تتطلب العمل والإنتاج, والبعد عن التخريب والتدمير. مع التأكيد أن مصر هي القلب النابض للعروبة والإسلام وأنها درع الأمة وسيفها, فينبغي أن نحافظ عليها وعلي جيشها الأبي. ولا يفوتنا أن نشير في الخطبة الثانية إلي فضل العشر الأوائل من ذي الحجة فهي التي قال نبينها صلي الله عليه وسلم في شأنها: ما من أيام العمل الصالح أحب إلي الله فيهن من هذه الأيام يعني العشر الأوائل من ذي الحجة فقالوا, يا رسول الله, ولا الجهاد في سبيل الله ؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وما له فلم يرجع من ذلك بشيء وهي أيام يستحب فيها الإكثار من الصلاة والصيام, والذكر والتهليل, والتسبيح والتكبير, وذلك لاجتماع أمهات العبادة وأصولها فيها, وهي الصلاة, والصيام, والصدقة, والحج, ولا تجتمع كل هذه العبادات في وقت سوي هذه الأيام, وفيها يوم عرفة بما فيه من فضل الله علي الحجيج, وعلي غير الحجيج من الصائمين, حيث يقول نبينا, صلي الله عليه وسلم,: صوم عرفة أحتسب علي الله عز وجل أنه يكفر السنة الماضية والسنة الباقية. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة