من لا يعرف, لابد عليه أن يعرف, ويدرك, ويوقن, ويتأكد بما لا يدعو لأي مجال من الشك أو الريبة, أن مصر الآن تخوض غمار أقذر حرب في تاريخ البشرية, وأكثرها خسة وانحطاطا.. مصر تخوض غمار هذه الحرب بعيدا عن أي عدوان من جانبها, أو رغبة في التسلط, أو امتلاك ما ليس من حقها العادل والشرعي, ولكن للعجب والدهشة هي حرب غير متوقعة بالمرة, والأعجب أن من فرضها علينا كان يسمي نفسه بالشريك الاستراتيجي لأهم دولة محورية في المنطقة, ودولة صانعة ومحبة للسلام والاستقرار وذلك علي حد وصف هذا الشريك الاستراتيجي الذي لابد وأن نحتار في وصفه, ونشك في كل أهدافه بعد كل هذا الذي مر بنا ومازال دائرا للعام الثالث علي التوالي.. أعوام ثلاثة مازالت مصر تنزف خلالها أرواحا, ودماء, وأرصدة, وقدرات وإمكانات كان يمكن, لو استمرت لحققت مصر وهي أول دولة في التاريخ انفراجة هائلة لشعب عاني الكثير, ويستحق ما هو أفضل بكثير. مصر هذه أيها السادة الأعزاء تخوض أقذر حرب في تاريخ البشرية.. حرب أسماها من ابتدعوها بالجيل الرابع من الحروب ويرمزون إليها اختصارا ب(WG4) كما نري وهي الحروف الأولي من التسمية التي أطلقوها علي هذه الحرب الدنيئة التي ابتدعتها الدولة الأولي في العالم بعد الهزيمة المهينة التي لحقت بها في فيتنام.. هزيمة ظلت تؤرق تلك الذات المتضخمة فيما بين الأطلسي والهادي!! وهداهم تفكيرهم المريض إلي تعويض تلك الهزيمة الجلل بافتعال حرب مع العراق بزعم أنه يطور أسلحة دمار شامل, ومدفعا عملاقا, وأسلحة كيماوية وبيولوجية.. وكلام آخر فارغ تماما من هذا القبيل, ولم يهدأوا حتي دمروا العراق وأعادوه إلي عصور الظلام, ثم قاموا بإعدام صدام حسين الذي بصق في وجههم جميعا عندما وقف شامخا وصامدا أمام حبل المشنقة ليعطيهم درسا في الرجولة والكبرياء بغض النظر عن الأخطاء القاتلة التي وقع فيها وأوقعها بشعبه ووطنه وقف شامخا أمام لحظة النهاية ليقول لجلاديه:هكذا يكون الرجال وبعد الدمار الكامل والشامل الذي ألحقوه بالعراق, وشعب العراق, هرع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش فرحا وسعيدا ليعلن أمام شعبه وكما لو كان يفضح نفسه وأهدافه الحقيقية: لقد هزمنا عقدة فيتنام مرة واحدة وإلي الأبد, وقمنا بدفن هزيمتنا المريرة هناك في الصحراء العربية!! أي هراء هذا الذي يتفوه به رئيس الدولة الأولي فوق هذا الكوكب الذي يعج بكل العجائب والمتناقضات, وربما كان أكثرها عجبا ما يخرج بين الحين والحين من الولاياتالمتحدة نفسها.. ليس صحيحا بالمرة أنهم تخلصوا من هذه العقدة الكؤود, وحتي لو صح هذا فأي علاقة تلك ما بين العراق وفيتنام؟ أو ما بين صدام حسين والقائد الفيتنامي( هوشي منه)؟ أي تخريف وتجديف هذا الذي يتباهي به رئيس الدولة الأولي؟ إن عقدة فيتنام مازالت تتفاعل إلي يومنا هذا في أعماق بعض المسئولين الموتورين في الولاياتالمتحدة وبالذات في أعماق بعض الرؤساء والقادة العسكريين والأجهزة المختلفة للأمن والمخابرات التي يتصور العاملون بها أنهم أقوي وأذكي من أنجبتهم البشرية.. أعماق هؤلاء جميعا ولكن ليس أبدا أعماق ابناء الشعب الأمريكي الذي اشهد بأنهم من أبسط شعوب العالم وأكثرهم مشاركة لوجدان الآخرين! وبعد تمزيق العراق جاء الدور الآن علي مصر والشقيقة سوريا اللتين تخوضان معا, وللعام الثالث علي التوالي, حربا من نوع جديد لم تعرفه البشرية من قبل.. حرب ليس فيها طرف ثان, ولا خصوم, ولا أعداء, ولكنها حرب ذاتية تنقسم خلالها الشعوب والمجتمعات بعضها علي بعض, وينحصر الصدام والقتال المرير فيما بين ابناء الشعب الواحد.. صراع أكثر ايلاما ومرارة من الصراع مع أي عدو خارجي.. صراع الكل فيه خاسر لا محالة ولا جدال! حرب يسمونها بالجيل الرابع من الحروب وهو تعبير حديث خرج لأول مرة في عام9891 علي لسان فريق من المحللين العسكريين الأمريكيين أشهرهم المحلل العسكري المعروف ويليام. إس. لند, وهي حرب مختلفة تماما عن كل ما سبقها من حروب. تنشط خلالها طوائف وجماعات من ذات الشعب لمنازلة قواتها المسلحة وجميع أجهزتها الأمنية تحت رايات الحرية والعدالة.. الخ, غير عابئين بأنهم يأكلون أنفسهم بأنفسهم ويرتدون بوطنهم إلي عصور الظلام, وفي ذلك استشهد ليند ورفاقه بثورة العبيد بقيادة اسبارتكوس, كما استشهد بعملية اغتيال يوليوس قيصر بواسطة زملائه من مجلس الشيوخ في روما يتقدمهم الخائن الشهير بروتوسالذي تبناه يوليوس قيصر وقام بتربيته ورعايته.. موقف شاذ وغريب أبدع العبقري البريطاني ويليام شيكسبير في وصفه بتلك العبارة الشهيرة: حتي أنت يا بروتوس.. إذن فلتمت يا قيصر ويسقط بعدها ذات القيصر المهيب الذي كانت روما بأكملها تهتز تحت أقدامه!! في عام1891, كما ذكرنا من قبل خرجت لأول مرة الفكرة الأساسية لهذا النوع الجديد من الحروب وذلك من خلال مقال في صحيفة الجريدة الرسمية لفيلق مشاة الأسطول الأمريكي اشترك في كتابته المحلل السياسي ويليام. إس. ليند, والكولونيل كيث نايتنجيل, والكابتن جون. ف. سميث, والكولونيل جوزيف ساتون, والليفتنانت كولونيل جاري ويلسون.. كان مجرد مقال عادي وعابر ولكن في عام6002 تبلورت هذه الفكرة واكتملت من خلال كتاب جديد بعنوان المقلاع والحجر من تأليف الكولونيل بحري توماس. إكس. هامز الذي يشرح في كتابه فلسفة وأنماط الأجيال الأربعة للحروب: الجيل الأول للحرب ويقوم أساسا علي تكتيك خطوط القتال وطابور المقاتلين وهو التكتيك الذي بدأ في عام4861 عقب سلام ويستفيلي الذي وضع نهاية لحرب الثلاثين عاما, وكان تكتيكا يعتمد أساسا علي جنود يتمتعون بقدر هائل من الانضباط والطاعة العمياء, أما الآن وبعد التطورات التي طرأت علي ساحة القتال والتسليح فقد أصبح هذا التكتيك بمثابة انتحار جماعي مؤكد, ومن ثم كان أن اختفي من الوجود مثلما اختفي من قبله السيف والقوس والسهم وذلك بمجرد ظهور البندقية والمدفع الرشاش! الجيل الثاني للحرب ويقوم علي تكتيكات خطوط النيران مع الحركة اعتمادا علي قوة وكثافة النيران غير المباشرة, وبتجسد هذا الشكل من أشكال الحرب خلال المراحل الأولي من الحرب العالمية الأولي!! الجيل الثالث للحرب ويتمثل في تكتيكات التسلل والاختراق بدلا من التلاحم المكشوف وذلك بهدف انهيار قوات الخصم ثم استكمال الهجوم بعد ذلك من الخلف إلي الأمام حيث لا توجد دفاعات وتجهيزات قوية للخصم وذلك بجانب ارباك صفوفه علي غرار العمليات التي قامت بها قوات العاصفة الألمانية ضد القوات البريطانية والفرنسية خلال معارك الحرب العالمية. ومنذ هذا التاريخ بدأ عباقرة البنتاجون وأجهزة الأمن المختلفة في تطبيق بنود وخطوات هذه الحرب القذرة التي تتصف بالدناءة, والخيانة والجبن.. وقل ما تشاء من آفات ونواقص! إن الفكرة الأساسية لحرب الجيل الرابع تقوم علي تحقيق أطماع الدولة المعتدية ولكن دون المساس ولو بظفر أو اصبع جندي واحد من جنود هذه الدولة.. أي الجنود الأمريكيين الذي امتلأت بهم مدافن أرلنجتون( أكثر من75 ألف قتيل من ضحايا فيتنام وحدها) وذلك بالإضافة إلي اكتظاظ مستشفيات وعيادات الأمراض العصبية, والارتفاع الهائل لأعداد الجنود الذين ينتحرون من جراء ما تعرضوا له من ضغوط عصبية ونفسية خلال معارك تدور بعيدا جدا عن أرض الوطن, ودون دوافع جادة تهدد أمن وسلامة هذا الوطن الذي يكاد أن يكون منعزلا عن باقي قارات الدنيا وأجزاء الكرة الأرضية! أما عن أسلوب وكيفية تنفيذ هذا السيناريو من حروب الجيل الرابع فيقوم أساسا علي استخدام القوي الداخلية للدولة المستهدفة في الهجوم علي قواتها المسلحة( كما يحدث حاليا في سوريا) وعلي سلطات الأمن, والأهداف الحيوية داخل الوطن, ومستعينة في ذلك أيضا بوسائل الإعلام المحلية داخل الدولة المستهدفة( قناة الجزيرة في الحالة المصرية وبجانب بعض الإصدارات المريبة) والاستعانة أيضا ببعض تنظيمات المجتمع المدني التي سبق تمويلها بسخاء طوال السنوات الماضية بواسطة الأمريكيين, وبشكل خاص بواسطة بيت الحرية( فريدوم هاوس) ثم أهم من كل هذا وذاك مستعينة بالتنظيمات والجماعات الدينية المتطرفة داخل الوطن نفسه( جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفي سوريا) إذ إنه من المؤكد علميا وعمليا أن مثل هذه الجماعات تكون مصابة بشكل من أشكال الهوس تعتقد معه أن أعضاءها هم وحدهم( جنود الله تعالي) وأن كل من دونهم هم كفار لا يستحقون الحياة! من هنا فإنه بمجرد أن قفز الإخوان علي ثورة يناير وهناك علامة استفهام ضخمة حول الاختفاء المفاجيء لمن أشعلوا هذه الثورة ثم بعد ذلك إنفضوا تاركين الساحة كلها للإخوان وبمجرد أن ظهر الإخوان انطلقوا مسعورين لاشعال الحرائق والدمار واطلاق سراح المجرمين والسجناء! ثم كان تركيزهم علي مبني مباحث أمن الدولة التي هي من المؤسسات الأمنية القوية والمشهود لها دوليا, وبعد أن أشعلوا النيران كعادتهم في مبني المباحث كان أن اتجهوا إلي مقر وزارة الداخلية ذاتها والتي هي حصن الأمن الداخلي في أي دولة.. هنا تحركت القوات المسلحة للدفاع عن الداخلية فكان أن تجرأ أولئك وتحركوا صوب مبني وزارة الدفاع ذاتها! وفي ذلك كان الخطأ الأكبر لهؤلاء الدهماء الذين لم يفهموا ويستمعوا إلي التحذيرات التي أطلقها بوضوح تام اللواء مختار الملا عضو المجلس الاعلي للقوات المسلحة عندما قال: احذروا الاقتراب من عرين الأسد.. اقترب الموتورون من عرين الأسد, واعتلوا كالعادة مآذن المساجد القريبة, وبمجرد أن تحركوا كان أن تم صدهم بكل حسم وجدية وتم إلقاء القبض علي معظمهم بما في ذلك من يسمونهم ب القناصة الذين دنسوا بيوت الله. حينذاك أتصور عن يقين أن مخطط الجيل الرابع من الحروب قد تحطم فوق صخرة مقر القيادة العامة للقوات المسلحة وأن المؤامرة الحقيرة بدأت رحلة الفشل التام, ولقد شاهدنا معا خروج الفريق أول عبدالفتاح السيسي إلي الأضواء, وكيف تطورت الأمور بعد ذلك حتي تم عزل الرئيس السابق مرسي العياط ومطاردة باقي أفراد عشيرته في جميع أرجاء الدولة المصرية! واستكمالا لتقويض هذه المؤامرة الرخيصة اتجهت قواتنا إلي سيناء لهدفين أساسيين: تدمير أنفاق رفح التي تستولي علي مؤننا ووقودنا وتصدر إلينا المجرمين والقتلة! والهدف الثاني, التصدي بحسم بالغ لمجابهة شراذم الإرهابيين من جميع بقاع وأجناس الأرض كما لو كانت سيناء قد تحولت فجأة إلي أفغانستان وكان المحرك الرئيسي في هذه النقلة الخطرة هو نفسه الشريك الاستراتيجي الذي ظل يخدرنا طوال التسعينيات وبداية الألفية الثالثة بأننا الدولة المحورية في المنطقة.. والدولة صاحبة السيادة والريادة.. وأننا الشريك الاستراتيجي الفعال.. وقل ما تشاء من هذا الهجص والخداع. لمزيد من مقالات محمد عبدالمنعم