يبدو أن الحكومة الحالية التي يقودها الاقتصادي حازم الببلاوي, لم تتعلم من أخطاء الحكومات السابقة, حيث أشاعت أجواء مفرطة من التفاؤل, ووعدت بتحسن ملموس علي مستويات متعددة. ورغم مرور نحو شهرين علي تشكيلها, إلا أن التفاؤل بدأ يتبخر تدريجيا, والتحسن تحول إلي تراجع, والتعاطف أصبح غضبا مكتوما. والمصيبة أن تعثرها بات كأنه قدر محتوم. البيئة القاتمة منحت من قبل جماعة الإخوان تفوقا انتخابيا لافتا, لأنها استغلت جيدا الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الكثير من المواطنين, وعزفت علي أوتار الفقر والجوع والمرض التي أفضت إليها جملة من السياسات الرسمية العشوائية, حتي تمكنت من النفاذ إلي قلب وعقل فئة من المجتمع, الذي لم تر غالبية الحكومات المتلاحقة معاناته بصورة واضحة, وإن رأتها فشلت في التعامل معها بطريقة صحيحة, وهو ما جعل قطاعات كبيرة من الناس تقبل بنهم علي المساعدات المادية والعينية التي كانت تقدمها الجماعة. وفي ظل إخفاق الحكومة الحالية في الوصول بسرعة إلي هؤلاء, وعدم تلبية جزء معتبر من احتياجاتهم الأساسية, قد تنتهز الإخوان الفرصة وتدخل من شباك المساعدات مرة أخري. الأمر الذي يمكن أن يحقق لها فائدتين. الأولي, تقليل الخسائر الشعبية التي تكبدتها, بسبب التصرفات الخاطئة التي ارتكبتها, وعمليات العنف والترويع والإرهاب التي قامت بها في الشارع, ودفعت شرائح كبيرة لأن تنفض عنها. والثانية, محاولة ترميم جسدها السياسي الذي تهالك, وينذر بخسارة فادحة في الانتخابات المقبلة. ولن تجد أفضل من هذا الطريق لتثبت أنها لا تزال علي قيد الحياة السياسية, وتؤكد أن توجهات الحكومة خاطئة, وأنها أخفقت في اقتلاع جذورها من المجتمع. وحتي لا يعود الإخوان, من الأبواب الخلفية, علي الحكومة التعجيل بطمأنة الناس, عبر إجراءات حاسمة تنحاز إلي الطبقات الفقيرة, وربما يكون اعفاء تلاميذ المدارس الحكومية من المصروفات خطوة موفقة, والاتجاه لرفع الحد الأدني للأجور عملية محمودة, لكنها ستظل خطوات غير كافية, لأن ارتفاع الأسعار أكل الأخضر واليابس عند ذوي الدخول البسيطة, بل وجزء من الطبقة المتوسطة أيضا. لذلك علي حكومة الببلاوي سرعة اشعار الناس بالعدالة الاجتماعية, وتحسين المستوي الاقتصادي للقطاع الأعظم, والبحث عن سبل عاجلة لانجاز هذه المهمة, قبل أن يصب الغضب من حكومته في صالح الجماعة وروافدها, ويتحول تصويت الناس في الانتخابات المقبلة إلي تصويت انتقامي من الحكومة, أو احتجاجي علي عدم تلبية الحد الأدني من مطالبهم, لأن لدي أغلبهم اعتقادا سلبيا ودائما ضد الجهات الرسمية, إذا لم تتوافق النتائج مع حجم التطلعات. وقد استعدت كتائب الإخوان لاستغلال الفرصة, بإثارة المزيد من المنغصات, والحض علي خروج المظاهرات, ومحاولة الدفع نحو شل حركة الحياة اليومية, وشراء كميات كبيرة من السلع المتنوعة وتخزينها, لتعطيش السوق, وبالتالي زيادة الأسعار وتوسيع نطاق الأزمات, وتحميل المواطنين أعباء إضافية لا قبل لهم بها وسط المشكلات المتراكمة. وحتي لا يعود الإخوان, علي الحكومة الإعلان عن خطة ثقافية وإعلامية وتعليمية متوازنة, تراعي الخصوصية المصرية, وتملأ الفجوات والثغرات السياسية والدينية, والتي أسهمت في تقبل بعض المواطنين أفكار جماعة أكدت الأيام أنها فاشية. خطة تعتمد علي إعمال العقل وتقدير فضيلة التفكير واحترام الإبداع. ويمكن أن ترعي الحكومة فكرة إنشاء مظلة أو منظمة سياسية( بعيدة عن جيل المستقبل وقريبة من منظمة الشباب), تستطيع التعامل مع تحديات المرحلة الراهنة, لأن معظم الأحزاب الحالية تفتقر إلي الإمكانات اللازمة لسد الفراغ السياسي الذي أدت إليه الضربات التي تعرض لها التيار الإسلامي. وحتي لا يعود الإخوان وأنصارهم, من الواجب الاستفادة من القوي النزيهة والشريفة التي تكافح للإعلاء من قيمة الدولة الوطنية, وتجاوز مرحلة حرب تكسير العظام التي نشاهد تفاصيلها علي الفضائيات يوميا, أو صراع الديوك الذي يمارسه الفلول والإخوان علي شبكة الإنترنت. فالقوي الوطنية الحية, قادرة علي فرملة هؤلاء وهؤلاء, والتصدي لكل من سولت له نفسه التجاوز في حق ثورة25 يناير والتهكم من ثورة30 يونيو. حتي لا يعود الإخوان وكوارثهم التي كادت تؤدي إلي تفتيت البلاد, نريد سياسات اجتماعية علي الطريقة الناصرية, في الشق الخاص بإنصاف الفقراء, حيث نجحت في الوفاء بمعظم ما تعهدت به لهم, بما حقق قدرا من العدالة الاجتماعية, فتوقف تسلل الإخوان إلي قاع المجتمع. ولا نريد سياسات علي طريقة الرئيس الراحل أنور السادات, التي جعلت الفقير يزداد فقرا والغني يزداد غني, فتمكنت الجماعة من الوصول إلي الفريقين,من خلال المساعدات ذات الأبعاد الاجتماعية المختلفة, وسيطرة طبقة من رجال أعمالها علي بعض المنتجات. كما أن سياسة العصا والجزرة التي انتهجها الرئيس الأسبق حسني مبارك, قادتنا إلي صعود الإخوان, وأفضت إلي فتنة المأزق الأخير, وما جلبه علينا من ويلات, نسعي جميعا لتجاوزها. ما نريده حقا هو اتخاذ حزمة متماسكة من الإجراءات العاجلة تغلق المنافذ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المفتوحة, حتي تطمئن الشريحة الواسعة من الفقراء, ويتم قطع الطريق علي امكانية إحياء فكرة عودة الإخوان لتصدر المشهد مرة أخري. لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل