تلعب الصورة والفيديو عبر الانترنت دورا كبيرا في نقل الحقائق والأفكار وفي مخاطبة العقل والعاطفة لدعم تأثيرها وانتشارها في زمن قصير يتميز بسرعة نقل المعلومات والاتصال, وأصبح للصورة دور في إدارة الصراع السياسي المحتدم بين كافة التيارات السياسية من ناحية والموقف من الحكومة والمجلس العسكري من ناحية أخري. وأصبح للصورة دور في الكشف عن مشكلات ثقافية واجتماعية ودينية وذلك في ظل حالة من الجدل العام حول تشكيل مستقبل مصر ما بعد25 يناير, وهو ما يطرح تساؤلات حول مدي تأثير الصور والفيديو علي الرأي العام وما هي فرص نقلها للواقع بحيادية؟ وما هو دور وسائل الإعلام المختلفة في نقل ما يتم بثه عبر الانترنت؟ وكيف يمكن تعزيز المناعة المجتمعية من التأثيرات السلبية لها؟ كان للصورة والفيديو دور في ثورة25 يناير من خلال كشف ممارسات النظام السابق وتوثيقها ودورها في عملية النقد البناء لمؤسسات الدولة وأصبحت تأخد دورا في ظل عملية التطور في استخدام شبكة الانترنت سواء في حجم انتشارها أو تمدد تأثيرها, وبروز كإعلام بديل لنقل الأخبار والمعرفة وتبادل الصور, وتجاوزها للقيود والقوانين مع سرعة الانتشار في ظل سيطرة الطابع الفردي في إنتاج المعلومات ورخص التكلفة وتنوع الرسالة بين نص وصورة وفيديو. وبرزت بيئة إعلامية تشهد تداخلا في خدمات الانترنت مع الموبايل والتليفزيون والفضائيات وكان آخر وابرز أدواتها الجديدة شبكات التواصل الاجتماعي التي تعتمد علي الحشد والتعبئة وزاد دورها في ظل غياب دور المؤسسات الوسيطة الفاعلة كالأحزاب السياسية أو البرلمان في نقل مطالب الجماهير, وأصبحت تقوم بدورها في الرقابة علي أداء الحكومة ونقل المطالب وممارسة الضغط وتمثيل قوي جديدة في المجتمع تتخذ من الانترنت منصة إعلامية لها مع اتساع وانتشار استخدام الانترنت بين28 مليون مستخدم وما يزيد علي74 مليون مستخدم للمحمول, ويوجد9 ملايين مستخدم للشبكات الاجتماعية, وهو ما يوفر بيئة إعلامية خصبة للتعبير عن الرأي ونشر الأفكار والاتجاهات للتأثير في الرأي العام من جانب العديد من النشطاء الجدد بعد أن اتسع عدد المشاركين وحجم القضايا والاهتمامات بعد ثورة25 يناير. وأصبح نقل الأخبار يتم عن الصفحات ومؤسسيها علي الفيس بوك إلي الصحف الورقية والبرامج الفضائية بما يزيد من حجم تأثيرها وانتشارها. وأصبح بإمكان أي شخص لدية دراية بصنع مادة إعلامية تعكس وجهة نظره وتحيزاته, خاصة في ظل القدرة الهائلة في نقل الصور ومقاطع الفيديو واستخدامها عبر الشبكات الاجتماعية واليوتيوب بل إمكانية صنع وتركيب الصورة والفيديو أو عمل مونتاج لبعض الفيديوهات أو تحويل صورة عادية إلي ملف فيديو أو تركيب صوت علي فيديو. وربما لا يمكن فهم عمليات الاستغلال السياسي للصور والفيديوهات بمعزل عن فهم الخريطة السياسية الجديدة في مصر وحجم التحديات التي تواجه عملية الانتقال السلمي للسلطة, ومناخ الحرية واتجاهات الجدل العام حول العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والدستورية وغيرها. في ظل حالة الانتقال من وحدة المصريين حول هدف واحد في25 يناير بإسقاط النظام إلي حالة التعدد التنظيمي والفكري والمصلحي, وبرز ذلك في العديد من الائتلافات والأحزاب, ووسط حاله التشرذم هذه بدأ يتم استخدام الدين عبر الانترنت كأداة ووسيلة للحشد وإعادة التجميع ومواجهة حالة التفتيت داخل تيارات رئيسية في المجتمع, وحاول كل فريق أن يحتكر الحقيقة ويعبر عن ذلك باستخدام الإعلام الخاص والانترنت, وزادت حالات التفاعل والحراك السياسي بين تلك التيارات, وظهرت في شكل صور أو فيديوهات أو نشر مقالات مدافعة أو مهاجمة. وبرز التنافس حول مدي القدرة علي السيطرة علي الشارع وتحريكه إما صوب ميدان التحرير أو مراكز الاقتراع, مستهدفة الشباب وهم الأكثر استخداما للانترنت وتفاعلا وتأثرا بما يدور وذلك مع معاناتهم من مشكلات عدة بما يسهل من عملية استقطابهم. وقد شهد المجال العام في مصر استغلالا واسع النطاق للصور والفيديو إما لتبرير وجهات النظر الخاصة أو نقل حقائق بعينها أو شن حرب نفسية وإعلامية أو معارك شخصية وتشويه السمعة أو ممارسة التلاعب والتدليس أو النقل غير الأمين للحدث, وأصبح هناك استخدام أكثر خطورة علي المجتمع يتمثل في محاولة استنفار وتحريك المشاعر الدينية وتوظيفها سياسيا أو من خلال التحريض علي مؤسسات الدولة وسيادتها وحقها المشروع في استخدام القوة, وعلي الرغم من كشف فيديوهات عدد من تجاوزات أفراد من الجيش ضد المتظاهرين فإنها استخدمت كذريعة لشن هجوم قاس علي الجيش والعمل علي سقوطه وانشقاقه, وهو ما ينعكس علي بث حالة من الفوضي وتعزيز عملية التدخل الخارجي في الشئون الداخلية. وتم نقل فيديوهات تعكس مطالب فئوية علي أنها تعبر عن غالبية الشعب المصري كطرح مبادرات فردية لتسليم السلطة ووضع جدول زمني يختلف عن الجدول الزمني الذي اعتمده الجيش, وظهرت دعوات لجعل25 يناير القادم بداية تنفيذ هذا التوجه.وتشكيل مجلس رئاسي مدني وغيرها بما لا يحظي بقبول عام ومضاد ومنفصل عن عملية التطور السياسي علي ارض الواقع. وأصبح لما يدور في الشارع انعكاس علي ما يتم تداوله عبر الانترنت عن طريق نقل صور وفيديوهات أو بانتقال تأثيرها من الانترنت إلي الشارع, وهو ما تسبب في ردود أفعال إما أن تكون عنيفة كوقوع قتلي واعتداءات وأعمال عنف أو تأتي كرد فعل سلمي عبر احتجاجات ومظاهرات وأصبحت هناك سيطرة للصورة ومحاولة اختطاف الجماهير, وتنوعت مظاهر التعبير عن ذلك بنشر الصور والفيديوهات. والتي منها استخدمها في التحريض الطائفي, فمثلا قيام رجل الأعمال نجيب ساويرس بإعادة نشر صورة ميكي ماوس اعتبر مسيئا للإسلام علي حسابه في تويتر وهو ما تسبب في رد فعل جاء في خسائر اقتصادية لشركته. وهناك فيديو الشيخ السلفي أبو يحيي ودوره في احداث كنيسة إمبابة عبر فيديو التهديد بالإضافة إلي فيديو القس فلوباتير في أحداث ماسبيرو وغيرها الكثير أو ما ظهر مؤخرا من قيام شاب بأسيوط بنشر صوره مسيئة للإسلام علي حسابه علي الفيس بوك وهو ما أدي إلي حرق أربعة بيوت للأقباط. وهناك نمط التلاعب والتدليس والنقل مثل فبركة صورة لشيخ سلفي في مظاهرات المسيحيين يحمل صليبا ونقل صورة لمجندين مغاربة يضربون سيدة محجبة علي أنهم جنود مصريون وفبركة صورة للفريق أحمد شفيق كنجم إعلان لساعة شهيرة وفبركة فيديوهات للمرشح د.مصطفي النجار ود.عمرو حمزاوي بدفع رشاوي للناخبين, والتلاعب في صفحات الفيس بوك مثل تدشين صفحة هيئة الأمر بالمعروف ونسبها لحزب النور السلفي للتأثير في المشهد الانتخابي وبما تسبب في ردود أفعال واسعة بل تم نقل صورة لمشهد من فيلم دكان شحاتة علي انها صورة لأتباع هيئة الأمر بالمعروف ومطاردتهم لمواطنين في بور فؤاد. ودفع إدراك أهمية التصوير وتأثيره وسهولة نقله عبر الموبايل إلي إمكان اختلاق وقائع كما يحدث علي خشبة المسرح من خلال وجود حدث وممثلين ويتم التصوير ويتم الاتفاق مسبقا علي ما سيحدث, حيث التزامن بين حدوث المشهد وعملية التصوير وبثه فيما بعد علي شبكات التواصل الاجتماعي وتحديدا فيس بوك وتويتر التي أصبحت نمطا حديثا للتفاعل كأدوات إعلامية جديدة للوصول إلي أقصي درجة في التفاعل. وهناك فيديوهات للتحريض ضد الجيش والشرطة مثل فبركة فيديو لأحداث91 نوفمبر التي تحتوي علي مشهد لمجند يجر قتيلا ويلقيه بجوار القمامة, و فيديو آخر ملفق لما عرف بقناص العيون, حيث أثبتت التحريات أن الضابط وقت تصوير الفيديو كان في غير أوقات العمل. ومما يزيد الأمر اشتعالا هو نقل هذه الصور والفيديوهات المفبركة علي أنها حقيقة مما يزيد من معدل انتشارها وتأثيرها السلبي علي الشارع. وأصبح هناك تنام في استخدام الصور والفيديوهات علي نحو يغاير الحقيقة بهدف التحريض, وانتحال الصفة بلبس ملابس جيش أو التنكر في زي شرطة أو جيش كما حدث في أحداث محمد محمود. وهناك العمل علي نقل وقائع حقيقية ولكن يتم التضخيم بشأنها وتصويرها علي أنها سلوك ممنهج مثل حادثة تعرية فتاة مجلس الوزراء ومحاولة استنفار المشاعر الإنسانية والدينية خاصة انه تم التركيز علي مشهد تعرية الفتاة فقط ولم يتم التركيز علي تغطيتها, وتم إبطاء مشهد ضرب احد الجنود للفتاة ليستغرق وقتا أطول في العرض للمزيد من الشحن, ولم ينقل الفيديو سياق التصوير وظروفه, وركز فقط علي رد فعل الجنود دون أن ينقل لنا طبيعة الفعل الذي حث الجنود علي ذلك الفعل أو كشف عن انتهاكات الطرف الأخر وعن كون الفعل متعمدا أو غير مقصود وهو ما يعكس تحيزا واضحا لعملية نقل الحدث, وهو ما أثار استياء واسعا. وتصاعدت حالات استخدام الصور والفيديوهات مع حالة الحراك الاجتماعي والسياسي للتعبير عن قضايا اجتماعية وإنسانية وتوظيفها سياسيا والتعبير عن بروز قوي جديدة مهمشة تحاول أن يكون لها دور في المستقبل, وعملية التحول من الاحتجاج الشخصي أو الفئوي إلي محاولة توجيه الرأي العام, والتحول من سلوك الاحتجاج والتظاهر السلمي إلي سلوك العنف وذلك في ظل مجتمع يعاني العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وضعف الثقافة العامة وغياب دور الإعلام الوطني والأداء السيئ للإعلام الخاص, وهو ما يمهد الطريق لنشر الشائعات والمعلومات المضللة, مع ضعف ضوابط لعدم المساس بالقيم الدينية والسيطرة علي نشر التطرف, وعدم المواءمة من جانب بين عملية اتساع الحرية وطبيعة المجتمع التقليدي والمنغلق. وذلك إلي جانب ضعف المواجهة القانونية لما يعد جريمة الكترونية, خاصة أن مصر لم تسن إلي الآن قانونا لمكافحتها, وأنه حان الوقت للعمل علي توعية المواطنين وتنمية إحساسهم بأهمية الحفاظ علي امن المجتمع ونشر ثقافة التسامح والسلام, وأهمية تعزيز دور الإعلام في إدارة الاختلاف والتنوع داخل المجتمع.