الأحداث التي شهدتها كرداسة جعلت القلق يتسلل لقلوب كثير من المواطنين, ويخشي عدد كبير منهم أن تتحول المنطقة السياحية الهادئة إلي بؤرة ساخنة تمرح فيها الجماعات الإسلامية المتشددة, وتبعدها عن سلطة الدولة. وهو ما أعاد للذاكرة جمهورية إمبابة الافتراضية, التي كانت مرتعا لهذه الجماعات قبل عشرين عاما. طبعا القلق الذي تسرب إلي قلوب الناس, له مبرراته النفسية والاجتماعية والأمنية, حيث تمكن إرهابيون من قتل وسحل عدد من رجال الشرطة, في مشهد يؤكد بشاعة هؤلاء وانحلال أخلاقهم, وبدأوا يروجون أن كرداسة والقري القريبة منها أصبحت تحت سيطرتهم. وقد أدي تأخر القبض علي المجرمين المعروفين بالاسم إلي ارتفاع صيحات القلق والهلع, للدرجة التي وصلت إلي حد الإعتقاد أن جماعة الإخوان والمقربين منها وضعوا أياديهم وأرجلهم عليها, وسوف تتمركز القيادات الإسلامية الهاربة والمتطرفة فيها, مستفيدة من ميراث قبلي عقيم ودعوي مختل, سهل علي أنصار الجماعة ارتكاب جرائم بشعة هناك. الأمر الذي جعل البعض يتصور أن لكرداسة أعرافا وتقاليد وقوانين تحكمها بالحديد والنار, غير التي نعرفها في سائر أنحاء البلاد. وقد اتسع نطاق المخاوف, خشية تكرار تجربة إمبابة, بكل ما حملته من فجاجة وقسوة ومرارة. لا أنكر خطورة الموقف ولا أسعي للتهوين منه, لكن كرداسة ببساطة ليست إمبابة بأي حال من الأحوال. فقبضة الأمن موجودة هناك, حتي لو بدت رخوة أحيانا, في حين كانت هذه القبضة غائبة تقريبا في إمبابة. وما حدث في التسعينيات من القرن الماضي كانت له أسبابه ودوافعه السياسية, التي نختلف معها, فتضخم الجماعات المتطرفة لا يعني غض الطرف عنها مؤقتا, حتي لو كان ذلك لدواع تكتيكية, لكنه يستوجب الحسم والمواجهة. لذلك عندما استفحلت واستقوت بالشارع الذي تعاطف قطاع كبير منه معها في ذلك الوقت, بدأت تؤثر علي هيبة الدولة, بصورة أجبرت الأخيرة علي القيام بعملية أمنية واسعة, أفضت إلي اختفاء جمهورية إمبابة من الوجود المادي والافتراضي, وبقيت دروسها حاضرة, وأهمها عدم التهاون مع المتشددين, وقطع الطريق عليهم, قبل أن يتمكنوا من ايجاد واقع يصعب تغييره, أو تصويبه دون دفع ضريبة باهظة. حتي الآن, لم يصل الوضع في كرداسة إلي ما كانت عليه إمبابة. وفي تقديري لن يقترب منه, ليس لأن الشيخ جابر ريان قائد التجربة الأولي أقل نبلا وأكثر شراسة, أو أن نصر الغزلاني ومن تراودهم تكرار الفكرة في الوقت الراهن أشد طيبة وقربا إلي الله, بل لأن الظروف والأجواء السياسية تغيرت, والتصرفات والتصورات الأمنية تبدلت, ومزاج البسطاء من الناس ومستوي تفكيرهم اعتدل. فالكل يعرف أن تكوين بيئة تصلح لتجمع الإخوان وحلفائهم, سواء في شكل اعتصام أو انعزال, سيقود إلي مشكلة عميقة, قد تتحول إلي أزمة كبيرة( وما رابعة والنهضة ببعيدين عنا) يمكن أن تستفحل, وتتطلب إجراءات عنيفة. كما أن الشرطة لديها ثأر شخصي من الصعوبة تجاهله. وهو دافع, يضاف إلي مهمتها الوطنية, كفيل أن يجعلها تقضي علي هذه البؤرة مبكرا. كما أن أهالي هذه المنطقة التي تعيش علي التجارة والسياحة يوفرون غطاء جيدا لسرعة استدعاء ودخول الأمن, وافشال ترتيبات العزل الرمزي والضغط المعنوي. ناهيك عن الدور الذي يقوم به الإعلام في فضح مخططات الإخوان تجاه كرداسة وما حولها, وهو ما كان غائبا تماما في حالة إمبابة, وعندما اقترب منها تسبب في إجهاض مشروعها. الحاصل أن القضاء علي حصون كرداسة الوهمية, مسألة ليست مستحيلة, فالأجهزة الأمنية تعرف جيدا التضاريس الجغرافية والتركيبة الاجتماعية للمنطقة, ويبدو أنها تريد توظيف الرفض الشعبي للجمهورية المزعومة بطريقة جيدة, لإنهاء المشكلة بأقل تكاليف بشرية ممكنة, وإعطاء درس قاس للإخوان, إذا حاولوا التفكير في نقل التجربة إلي أيه منطقة أخري, قبلي أو بحري. حيث خسرت الجماعة معظم أدواتها المسلحة, وفقدت جزءا كبيرا من رصيدها الشعبي, ولم يتبق لها سوي البحث عن فقاعات, لإحداث مزيد من الضوضاء, عسي أن تؤدي إلي تشويش سياسي وإرباك أمني للحكومة, ويتعطل الجدول الزمني المرسوم لخريطة الطريق. لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل