بعد ترجمتها لعدة لغات أجنبية كالإنجليزية والبولندية والإسبانية واليابانية, افتتح هذا الأسبوع عرض كوميديا الأحزان باللغة الإنجليزية للكاتب والناقد المسرحي المصري إبراهيم الحسيني علي مسرح هيبارد ووركس وهو أحد أهم مسارح نيويورك. وبرؤية إخراجية احترافية جديدة للمخرجة الأمريكية تريسي كاميرون فرانسيس, وبطولة الكاتبة والمخرجة الفلسطينية الأمريكية نجلاء سعيد ابنة المفكر الكبير إدوارد سعيد. يعتبر هذا التقديم هو السابع للمسرحية في أمريكا خلال العامين الأخيرين وبرؤي إخراجية مختلفة لسبعة من مخرجي الولاياتالمتحدة, ولعل هذه المناسبة هي الأفضل للاحتفاء بأعمال الحسيني التي يسعي من خلالها لملاحقة الحقيقة والاقتراب من عوالم خفية مختبئة خلف ملامح البشر والأماكن, فمنذ تسعينيات القرن الماضي سحرته اللغة فداعبها شعرا لينال أول جائزة في حياته لأفضل قصيدة وقت ان كان طالبا جامعيا, والغريب أن عشقه للشعر اقترن بهمس المسرح في أذنيه فأنتج نص الغواية الذي نال عنه جائزة محمد تيمور, ثم توالت الأعمال شعرا وقصة ومسرحا ونقدا أيضا حتي نال جائزة ساويرس الثقافية عن نص جنة الحشاشينهذا العام.. تجربة الحسيني أتصور أنها تسير في طريقين متقاطعين, الأول هو الأفكار التي رسخت في عقله عن الحرية والعدالة الاجتماعية والحب والعزلة, وهو طريق طويل لا يقطعه سوي ميدان فسيح تتفرع منه عدة طرق فرعية تجسد هذه الأفكار بالصور والأخيلة وكل ما هو غير متوقع في عالم اللغة لتحقيق عاملي الدهشة والمتعة للمتلقي, وهو لا يتورع في سبيل تحقيق ذلك عن استخدام الأشعار رغم انها ليست مشروعه الأهم, فبحسب كلامه: الشعر يتميز بعوامل الإيجاز والغموض والتكثيف وتعدد المعاني, وتصوير الحكاية بغرابة تكون عنصر الصورة وهو ما أبحث عنه وأقتبسه للتأثير علي متلقي المسرح, لذلك فأنا أعتبر كثيرا من أعمالي قصيد مسرحي تتوافر له سمات القصيدة الحديثة, ومن هنا أكتب الشعر في المسرح. ولعل هذا ما تحقق في نص كوميديا الأحزان التي جسدت ما نحن فيه بعد ثورة يناير بشكل باعث علي الضحك بهدف استكمال الثورة, فجاءت كلمات الأشعار متأثرة إلي حد كبير بالفلسفة الشعرية الخاصة برباعيات صلاح جاهين بما لها من تكثيف وإيجاز دال علي المعني المطلوب في أقل حيز زمني لا يؤثر علي إيقاع العرض سلبا بل يمنحه مزيدا من الحيوية والطزاجة, وذلك من خلال سبع شخصيات درامية لكل منها همومها الخاصة والعامة, وهي شخصيات لا تعبر عن نفسها فقط وإنما تعبربالضرورة عن شخصيات اعتبارية أخري لا يمكن تجسيدها مباشرة مثل: الوطن, التاريخ, السلطة السياسية القمعية, الشعب, الغناء, الموت, كما تشير المسرحية إلي أن الثورة برغم موجاتها المتتابعة لم تنته بعد, وأنه مازال أمام الشعب المصري المزيد من الوقت والجهد حتي يستطيع استكمالها, وذلك من خلال تجسيد حي لرحلة اثنين من المهمشين اجتماعيا للبحث عن ضحي التي ترمز لصورة مصر, وخلال الرحلة نتعرف علي الواقع الثوري المصري بتقلباته الإنسانية والاجتماعية والسياسية وانعكاس ذلك علي الناس داخل المجتمع... هواية إبراهيم الحسيني في اللعب مع الكلمات لا تقف عند هذا الحد بل إنها تتجاوز دائما كل حدود المسموح به في التقاليد الأرسطية لكتابة نص مسرحي, حتي أن جرأته الأدبية دفعته دفعا نحو استلهام اللغة بكل مستوياتها في النص الواحد, فنراه في نصي كوميديا الأحزان وزنزانة لكل مواطن يلجأ إلي الفصحي والعامية والشعر أيضا لنفس الهدف وهو محاصرة الحقائق الكامنة خلف وجوه البشر, والبحث عن كل ما هو مشترك بين الناس, فالفصحي لديه تعبر عن الصوت الداخلي للشخصية ومسار تفكيرها غير المعلن لمن حولها, والعامية هي لغة الحوار العادي بين الشخصيات, أما الشعر فيلقيها مغني معلقا علي الأحداث, فاللغة الشعرية دائما حاضرة داخل مسرحياته ولكنه مختلف عن حضورها داخل القصيدة. وإذا كانت الجملة الأثيرة لدي إبراهيم الحسيني هي: لو لم أجرب أموت, فإن هذا التجريب نابع من رغبته في عدم إرهاق المتلقي للحصول علي المعلومة والفكرة المطروحة, ولكن ليحصل عليها في قالب يجمع الحدث الدرامي المشوق والكوميديا وما وراء الحدوتة بما يتلاءم مع مستويات التلقي المختلفة لكل شرائح المجتمع, ولعل هذا ما دفعه لكتابة نص جنة الحشاشين الحائز علي جائزة ساويرس في التأليف المسرحي- عام2003 مرتين, الأولي باللغة العامية والثانية بالفصحي, وهو يقول عن ذلك: قصة العمل تدور حول واقعة تاريخية خرجت بالعامية في23 مشهدا, بينما تصورتها بعد ذلك ستكون افضل بالفصحي, لتناسب تلك الواقعة التاريخية في محاولة مني لبحث اثر تحولات اللغة وجمالياتها علي البناء الدرامي للمسرحية, فجاءت النتيجة27 مشهدا تتناول فكرة التصادم بين إنسانية الشاعر وتملق السياسي والتعصب الديني, وذلك من خلال ثلاث شخصيات مهمة في التاريخ الإسلامي كأبطال للعمل, وهم: عمر الخيام, نظام الملك رجل السياسة, وحسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين المشهورة تاريخيا, بعد أن افترضت وجود علاقة بينهم حتي ولو لم تكن مثبتة تاريخيا, وقد اتفقوا في طفولتهم علي أن يساعد من يصيب منهم جاها أو سلطان صديقيه الآخرين, وعندما أصبح الخيام شاعرا, وحسن الصباح مؤسسا لجماعة دينية, والأخير رجل سياسة, وقع هذا التصادم بشكل دام جدا إلي حد قتلهم جميعا, وهذه العلاقات المتشابكة هي ما عشناه في الفترة الأخيرة, مشيرا إلي أن جماعة الحشاشين تأسست في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي بشكل خفي اتخذ الدين ستارا للوصول لأهداف سياسية, ولهذا سعت لإقناع أعضائها بأنهم وحدهم من يملكون الحقيقة وأن زعيمهم هو ظل الله علي الأرض, لذا وجب عليهم تنفيذ أوامره بلا تفكير.