صدر مؤخرا عن المركز القومي للترجمة, النسخة العربية من كتاب إصلاحي في جامعة الأزهر:أعمال مصطفي المراغي وفكرهس بها والتذكير بالدور الكبير الذي لعبه الشيخ في حياتنا الفكرية والدينية في النصف الأول من القرن العشرين فقد عرفته الساحة الفكرية والدينية واحدا من أعظم العلماء, كما عرفته مصلحا اجتماعيا بارزا ووطنيا غيورا, مسكونا بالرغبة في أن يري بلاده مصر تحتل المكانة السامية التي تليق بها في العالم الإسلامي, داعيا إلي إصلاح الأزهر وإصلاح القضاء والتقريب ما بين المناهج الإسلامية, والعمل علي إذابة الفوراق بين طوائف المسلمين في مختلف ديار الإسلام. ولد محمد مصطفي محمد عبد المنعم المراغي في بلدة المراغة بمركز مغاغة,محافظة سوهاج بصعيد مصر في9 مارس1881, وتوفي في2 أغسطس1945 بمدينة الإسكندرية, وأتم حفظ القران في العاشرة من عمره,ثم التحق بالأزهر وتخرج فيه بعد حصوله علي شهادة العالمية1904 وكان ترتيبه الأول علي زملائه, اختاره الشيخ محمد عبده ليعمل قاضيا بمدينة دنقلة بالسودان, ثم تدرج بالمناصب حتي أصبح رئيس المحكمة الشرعية العليا, ثم عين شيخا للأزهر في المرة الأولي عام1928, فألف لجانا برئاسته واصلت الليل بالنهار في دراسة قوانين الأزهر ومناهجه الدراسية, كما اهتم بالدراسات العليا فيه, فاقترح إنشاء ثلاث كليات عليا هي: كلية اللغة العربية, كلية الشريعة, وكلية أصول الدين, مع إنشاء أقسام عديدة لكل تخصص, وقدم المراغي وقتها مشروعه لإصلاح الازهر الذي اصطدم بمعارضة قوية وعقبات حالت بين الشيخ وتحقيق آماله في تجديد شباب الأزهر فقدم استقالته في العام1930 واختير الشيخ الأحمدي الظواهري خلفا له كشيخ للأزهر. إلا أن الشيخ عاد إلي الأزهر عميدا مرة أخري في عام1935 وذلك علي أثر المظاهرات الكبيرة التي قام بها علماء وطلاب الأزهر للمطالبة بعودته حتي يحقق ما كان ينادي به من إصلاحات, واستمر علي رأس الأزهر لمدة عشر سنوات إلي أن وافته المنية. عبر صفحات الكتاب تستعرض المؤلفة معلومات مهمة حول تاريخ الشيخ المراغي ومؤلفاته,متناولة بالتحليل المنطقي المحايد,المواقف التي اتخذها الشيخ حيال ما واجهه في حياته بشقيها السياسي والديني,والذي شكل التداخل بينهما علامة فارقة ميزت الرجل عن أقرانه من رجال الاصلاح, حيث لم تترك وثيقة ولا رواية دون تحقيق, حيث تؤكد في تحليلها انتماءه لتيار الإصلاح الذي يمثله الشيخ محمد عبده. وقد كان تواصل الشيخ المراغي مع محمد عبده بمثابة النقلة النوعية التي حددت مكانته العلمية, ومستقبله في مدرسة الإحياء والتجديد والإصلاح فلقد تتلمذ علي محاضراته في تفسيرتالقرآن, وتأثر بمنهجه في التوحيد وما يراه تنقية للعقائد الإسلامية من ترف المتكلمين القدامي, و كان يشار إليه بأنه المؤسس الثاني للأزهر لما سنه من قوانين أحدثت طفرة في حياة الأزهر, ولما بذل من مجهودات خارقة ليتبوأ الأزهر مكانته. فقد أنشأ الشيخ المراغي مجموعة لجان; منها: لجنة الفتوي, الوعظ والإرشاد, جماعة كبار العلماء امجمع البحوث الإسلامية, ورأي قبل وفاته أن ينشئ مراقبة خاصة للبحوث والثقافة الإسلامية, تختص بالنشر والترجمة والعلاقات الإسلامية, والبعوث العلمية, والدعاة, فصدر قرار بإنشائها سنة1945 م, وكان هدف الإمام المراغي أن يخرج الأزهر الشريف من النطاق المحلي إلي المجال العالمي. وفيما يتعلق بمواقفه السياسية; أخرج الشيخ المراغي الأزهر من عزلته, ولم يعزل الدين عن الدنيا, وكانت للشيخ مواقفه الصلبة التي استند فيها إلي مباديء الإسلام ومبادئه الشخصية ففي الحرب العالمية الثانية أعلن كلمته المشهورة في مسجد الرفاعي أثناء خطبته: اأسأل الله أن يجنبنا ويلات حرب لا ناقة لنا فيها ولا جملب; لأن الإنجليز أرادوا أن يزجوا بالمصريين معهم في حرب الألمان, ولقد أحدث تصريح الإمام ضجة كبري هزت الحكومة المصرية وأقلقت الإنجليز, واتصل رئيس الوزراء بالشيخ محاولا تهدئة الموقف, فهم يعرفون مكانته الدينية ومنزلته عند الشعب, ونادي الإمام باحترام العلم والعلماء فهم صفوة القوم وعليتهم, وأمر رئيس الوزراء بأن يصدر مرسوما بتصدر العلماء واجهة كل الاحتفالات الرسمية. و عندما رشحه الحاكم الإنجليزي ليكون قاضي قضاة السودان عام1919 رفض الشيخ المراغي ترشيح الحاكم الإنجليزي له وطلب أن يكون تعيينه بمرسوم خديوي قائلا: اإن قضاءه لا يكون شرعيا وصحيحا إلا بموافقة حاكم مسلمب. وتم له ما أراد ليكون أول قاضي قضاة يعين بمرسوم خديوي. تأليف فرنسين كوستيه تارديو, وترجمة عاصم عبد ربه حسين.