صعد الإسلاميون إلي سدات الحكم التي سقط عنها الطغاة والمستبدون العرب فتعالت اصوات العلمانيين والليبراليين واليساريين محذرة من ان يبتلعهم التيار الاسلامي الجارف الذي تمخصت عنه الديمقراطية وكان مبلغ تخوفهم هو ان يحد هذا الصعود من حرياتهم تحديدا وتساءل هؤلاء اذا كان الاسلاميون بعيدين عن مقدمات ثورات الربيع العربي وتفاعلاتها الاولي فكيف يمكن تفسير تقدمهم الي مراكز القيادة في مرحلة مابعد الانتصارات الاولي؟ ان هذا الامر نجد له تأويلات متعددة اهمها: اولا: الاسلاميون اكثر الجماعات السياسية التي استطاعت الحفاظ علي بناها التنظيمية في ظل الانظمة السياسية السابقة وهو أمر يعود الي وجود حاضنة ثقافية اجتماعية داخل مجتمعاتها التي بلغت اعلي درجات التصادم والتناقض مع الانظمة الاستبدادية القائمة ثانيا: ضعف الجماعات المنافسة للتيار الاسلامي السياسي من التيارات القومية واليسارية والليبرالية التي لم تتعرض فقط كشقيقتها الاسلامية لهجمات انظمتها فقط وانما اتبعت الانظمة معها اساليب اخري لالغاء دورها الحداثي والحد من فعاليتها بعزلها عن المجتمع وبحرمانها من امكانية العمل والتفاعل واسع النطاق مع الانشطة العامة والاعلام وغيره ولم يسلم المجتمع كله ايضا من هذه الانظمة الاستبدادية فقد قامت بعزله عن العالم بإدخاله في حالة خمول وانكفاء اكتئابي علي الذات لا تنفتح علاقاته المفرغة الا علي العوالم الهوامية الخيالية المرتبطة بعقله الباطن لذلك فقد راجت في مجتمعاتنا خلال الحقبة السابقة التهويمات والخزعبلات المرتبطة بالدين وهو منها براء وبالطبع فقد ساعد علي انتشار هذه الحالة التهويمية ان30% من المجتمع يعانون من الامية و40% منهم تحت خط الفقر بالاضافة الي ان ثقافة كثيرين من المتعلمين ضحلة ومسطحة بفعل الاعلام الموجه الذي كان يلعب دورا بارزا في هذا الوضع المشين والسؤال:هل سيتمكن الاسلاميون من مواصلة الصعود والازدهار الذي فاجأ ليس الداخل فقط ولكن ايضا الخارج ؟الحقيقة ان هناك شكا كبيرا في ذلك فالحركات الاسلامية قبل سقوط الديكتاتوريات لم تكن سياسية بالمعني الكامل وإن تمكن بعضها من اقامة سلطة رمزية موازية في بعض منعزلاته لكنها لم تدخل في منازعات السلطة الفعلية ومكاسبها التي تؤدي فيما تؤدي الي تفريق المتحدين عقائديا وفي الحالة الدينية من السهل مهاجمة الذين يتولون السلطة منهم وإحباط عملهم باستمرار من جانب زملائهم في العقيدة الذين لم يحظوا بتلك السلطة. السبب الثاني: هو ان الاسلام السياسي سوف يحاول ان يحقق في مرحلة حكمه نجاحات علي صعيد تنمية المجتمع والفرد لزيادة شعبيته وهذا هو النموذج القائد لمعظم الاسلاميين اليوم كماحدث في تركيا اردوغان, ولكن هذا النموذج سوف يعود ليقود الاساس العالي الذي وفرته الانظمة القمعية فيما مضي فالنماء والبحبوحة لن يقودا الا الي مزيد من التخفف من الطابع الديني بالمجتمعات لمصلحة مشاغل وسعادة دنيوية وسينتهي الامر بهذه الحركات والاحزاب السياسية الي تفضيل العلمانية والتمسك بها للمحافظة علي جمهورها وبعبارة اخري فإنه كلما ازداد الانفتاح السياسي في مصر وانخرط فيه الاسلاميون بشكل مكثف ابتعدوا عن اطرافهم الايديولوجية وذهبوا لاتجاه المركز السياسي وهو ما يعني عمليا نزع الدسم الديني عن خطابهم وعلمنة فضائهم الاجتماعي كما صرح بذلك احد الاكاديميين العرب العاملين بالمراكز البحثية بالخارج علي ان تمسك الساسة الاسلاميين بالعلمانيةاو بصيغتها الاقل استفزازا (المدنية) يجب الا يدهش خصومهم فمدنية الدولة دستوريا ستكون الشماعة الوحيدة التي يستطيع الاسلاميون الواصلون الي الحكم ان يعلقوا عليها فشلهم في تحقيق الوعود المقطوعة لجمهورهم لاقامة الدولة الدينية المستحيلة واقعيا ما أشبه الحيوية السياسية الناشئة اليوم في مجتمعاتنا العربية بالتفاعل الكيميائي فمن أجل أن نحصل علي نواتج مستقرة ينبغي ان نسمح للعناصر بالتفاعل حتي تتحد ذرات المعادن في جزيئيات ومركبات ثابتة وبالتالي يستقر التفاعل ولهذا فمن الاجدي للقوي والحركات الديمقراطية بتلاوينها كافة ان تدفع نحو استمرار دوران العجلة الديمقراطية علي قاعدة ان المشاكل الديمقراطية تحل بالديمقراطية وان تكرس نفسها للعمل بهدوء وجلد لكسر عزلتها ومن ثم التواصل واستقطاب مكونات من مختلف فئات المجتمع للاستفادة من سندهم القوي وهو الحداثة وعدم اضاعة الوقت والجهد في الشكوي او الدعوة إلي وقف التجربة الديمقراطية وهو مايناقض شعارات الديمقراطيين ومطالبتهم التاريخية لأن هذا يصب في مصلحة أطراف اخري تريد ان تجهض العملية الديمقراطية برمتها والعودة بنا إلي المربع رقم واحد. د. عماد اسماعيل