له أسلوبه في الدعوة إلي الله, وطريقته في الهدي إلي سماحة الإسلام, والإرشاد إلي صحيح الدين, يمزج بين الفكاهة والجد, من مدرسة الميسرين والمبشرين , يكره التنفير وأصحابه, والتنطع وأهله, والتشدد والداعين إليه, يوغل في الدين برفق, يقدم إلي الناس النصح بالحكمة والموعظة الحسنة, ويسدي النصيحة بالرفق واللين. حينما يتكلم, لا تعلم إذا كنت تستمع إلي أستاذ في جامعة الأزهر, أم إلي شخص عادي عامي في الشارع, وهذا ما جعل الناس يحبونه, ويعشقون الاستماع إلي أحاديثه التي تخرج من اللسان لتخترق الآذان الصم فتسمعها, وتمس شغاف القلوب الغلف فتهديها, وتبصر الأعين العمي فتفتحها. إنه الدكتو مبروك عطية, أستاذ ورئيس قسم اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف, الذي كان لنا معه هذا الحوار.
كيف تري الواقع الذي تعيشه مصر الآن؟ الواقع الذي نعيشه أن بلادنا في فتن, والقضاء علي الفتنة من التقوي. وإن لم نملك القضاء عليها, لا نشارك فيها. فهناك الذين يريدون أن يفتتوا مصر, وأن يحولوا أمنها إلي دمار, واقتصادها إلي خراب, ويكون شعبها الجميل مثار أحاديث الناس. هناك أناس يتصلون بي من شتي بقاع الأرض يقولون إنهم يريدون أن ينزلوا مصر لقضاء إجازتهم, وخائفون مما يرونه علي شاشات التليفزيون. أقسم لهم بالله أن مصر ليست بهذا السوء, وأنها آمنة, وأن كل ما يحدث هو أن وسائل الإعلام تركز علي موضوع البلطجة, وتريد الحوار الساخن, والخبر الساخن. وما يحدث من الإعلام يضر بكل شيء في مصر من أول الاقتصاد, ونهاية بالأمن والأمان. ما الحل من وجهة نظرك؟ وكيف تري مصر المستقبل؟ أري مصر تسير في اتجاهين. القراءة الأولي: أن تنتهي الأمور علي خير, وتحدث انتخابات, وتستقر الدنيا, ويصبح مجلس الشعب هو الثورة الدائمة, وهو الممثل الحقيقي للشعب, ويرزقنا الله برئيس يقود السفينة إلي بر الأمان. أما القراءة الثانية, فأراها سيئة جدا, وهي أن نذهب للهاوية. إذا كنا كل ثلاثة أيام نجمع ونعطل المرور, وكل أسبوع عندنا تغيير وزاري, قبل أن يفعل الوزير شيئا, وتلك مؤشرات لا تبشر بخير. والخوف أن نتقاتل في الانتخابات وتؤجل, ونظل هكذا. نسأل الله أن يحقق لنا القراءة الأولي, وأن يأخذ بنواصينا إلي رضاه, وأن يبارك في هذا البلد المبارك. كيف تري حالة الاحتراب الآن بين المسلمين بعضهم بعضا, وتكفير التيارات الإسلامية للأخري؟ هناك حديث مشهور للنبي-صلي الله عليه وسلم- يقول فيه المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, فينصرف الذهن إلي أن سلامة الإنسان من لسان أخيه الإنسان, أو سلامته في عرضه وذاته بألا يشتمه, ولا يسبه, وهذا معني ابتدائي, ولكن المعني الثانوي- للدراسات العليا المنبثقة من هذا المعني- أنه لا يمكن أن أسلم من لسان أمرئ أبدا, يعني أي كارثة يتعرض لها الإنسان؟, وأي مصيبة أعظم من أن يكفره أي إنسان؟, ويقول-صلي الله عليه وسلم- من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما, فالذي يجرؤ علي أن يرمي أحدا بالكفر عليه أن يضع في حسابه أنه هو الكافر, لأنه لم يشق عن قلوب الناس. فقضية التكفير خطيرة جدا, والمتأمل في سورة الكهف يجد أن الصاحب الخلوق المؤمن, الورع الراضي بالدونية في المعيشة, الذي يعلو بدينه, ما قال للذي قال ولئن رددت إلي ربي قد كفرت, وإنما قال له أكفرت بالذي خلقك بهمزة الاستفهام, الغرض منه الإنكار, ما قال له كفرت بالإقرار والخبر والثبوت, وإنما قال له, منكرا عليه, أكفرت, حتي يعطيه فرصة ليقول له: لم أكفر, فالجرأة علي تكفير الناس من أخطر ما يكون. برأيك.. هل خسر الإسلام بصعود التيارات الإسلامية إلي سدة الحكم في أكثر من دولة عربية؟ كلا, الإسلام لا يخسر أبدا, هناك فرق بين خسران الدين, وخسران المتدينين, الدين لا يخسر لسبب واحد, لأن الله سبحانه وتعالي يقول والله متم نوره, وليس بعد كلام الله كلام, يتم نوره برجل, يتم نوره برجلين, يتم نوره بمليون, العدد عندنا ليس بيت قصيد, ولا مربط فرس. وهناك نوع من الجهاد لم يتحدث فيه أحد, وبالتالي لم يركن إليه كثير من الناس, ألا وهو الجهاد من أجل سمعة الدين. فمن الخير لي أن أعتزل السياسة, حتي لا يقال مسلم فاشل, أو تاجر فاشل, أو صانع فاشل, أو طبيب فاشل, لن يقال مبروك, أو علي, أو فلان, سوف يقال مسلم, وكذلك الحال في كل شيء. وتلك الحالة سببها الإعلام من ناحية, والضبابية التي أمام الناس من ناحية أخري. إذا سألت إنسانا مذعورا بسبب تلك القضية, أجابك قائلا: إنهم إذا تولوا الحكم قطعوا الأيدي, وكذا وكذا. نحن نعلم أن الحدود في دين الله ليس معناها قطع الأيادي, ورجم الزاني, وجلد القاذف, لأن كلمة الحدود عندما تطلق ويراد بها قطع الأيدي, هذا فهم خطأ للدين. الأمر الثاني أن قطع الأيدي في السرقة فيه خمسة عشر شرطا, إذن الذعر قادم من الإعلام. واجب علي الذين يتكلمون في الإعلام أن يجملوا الدين للناس كيف تري الدعوة للجهاد في سوريا, وترك المسجد الأقصي؟ من باب أولي أن أن تكون الدعوة إلي الجهاد لتحرير المسجد الأقصي, لأنه مسري النبي- صلي الله عليه وسلم- وثالث الحرمين الشريفين, الذي باركنا حوله, ونحن نقرأ أول سورة الإسراء سبحان الذي أسري بعباده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله, يعني نحن غفلنا عن البركة التي حوله, لو تجمعت القلوب حوله لحصل من البركات ما لا يحصل عليه إنسان. دأب بعض الخطباء علي دغدغة مشاعر الناس, وهدهدة عواطفهم من فوق المنابر لاستمالتهم لتيار سياسي معين.. كيف تري ذلك؟ الموضوعية تقضي علي هذا كله, ويجب علي أي خطيب ألا يدغدغ عواطف الناس, ويلهب مشاعرهم, ويستثير حماسهم, وألا يكون بوقا للحاكم, حتي أمر الجهاد لا ينادي به العالم, أو يدعو إليه, وإنما يدعو إليه, وينادي به الحاكم وولي الأمر. إن أول باب الجهاد في كتب الفقه مردوده إلي الحاكم, لأنه الرجل الذي يدري مصلحة شعبه, فالحاكم مسئول عن الجهاد, وينبغي أن يكون الخطباء متواصلين مع الناس, و90% منهم جياع وعاطلون, وبلغة البلدي مش ناقصين مواجع, يعني من المفترض أن تكون خطبة الجمعة تذكرة للناس من الجمعة إلي الجمعة, تذكرهم بالله, وتأمرهم بتقوي الله, وحسن الجوار, وكيف تستقيم حياتهم. أما أن يتحول المنبر في المسجد إلي السياسة, بأدرانها وسوآتها, فهذا كالسم المنقوع. هل أنت مع مقاطعة زيارة المسجد الأقصي حتي التحرير؟ أبدا لو تمكنت من زيارته اليوم, لما تأخرت. إذن, هل أنت مع زيارة الدكتور علي جمعة, المفتي السابق, للمسجد الأقصي؟ طبعا طبعا, لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام, والمسجد الأقصي, ومسجدي هذا, لأن الفرصة لا تأتي لزيارة المسجد الأقصي كثيرا. إذن هل أنت مع زيارة المسجد الأقصي تحت وطأة الاحتلال مع أن بعض العلماء حرموها؟ لكل رأيه, ونحن نحترم الجميع, لكن النبي- صلي الله عليه وسلم- دخل مكة بإذن الكافرين. ما السبيل لالتئام جراح الوطن النازفة, والتقاء كافة التيارات والأطراف وكل القوي السياسية علي كلمة سواء؟ أن يجتمع الناس علي كلمة سواء, يعني اختلفوا ما شئتم بشرط ألا تمر ليلة إلا وقد اجتمعتم علي رأي, ودليلي علي ذلك أن النبي- صلي الله عليه وسلم- أخذ برأي أبي بكر الصديق, ورأي عمر بن الخطاب في أسري بدر, وكان رأي عمر أن يقتلهم, وكان رأي الصديق أن يعفو عنهم, فما عاش الناس, والنبي- صلي الله عليه وسلم- معهم وهم يقولون: أبو بكر يري, وعمر يري, وإنما انتهي بأن قيل إنه أخذ برأي أبي بكر, وما غضب عمر. لو تحقق هذا المعني, لكان كل يدلي بدلوه, ويقول في النهاية: لا بد لنا من كبير يقول إني أري ذلك, والكل يقول له مسلمون, فهل ممكن أن يحدث هذا؟. أخيرا, روشتة تقدمها لسعادة الفرد المسلم في الدارين: الدنيا والآخرة؟ أركان السعادة هي أن تكون له عدة, وأن يكون له أحبة يأتنس بهم, وأن تكون له خطة في مستقبله, وأن يسعي إلي تحقيقها.