ساعات قليلة قضاها العاهل البحريني الملك حمد بن عيسي بن سلمان آل خليفة في مقر الحكومة البريطانية كانت كافية لاقناع ديفيد كاميرون بمراجعة حساباته التي تؤسس عليها موقفها من الأزمة المصرية. زار الملك بريطانيا, يوم السادس من الشهر الحالي, دون ضجة سياسية وإعلامية متوقعة ضد الحكم في البحرين, المتهم هنا في بريطانيا, بقمع المظاهرات الشعبية, خاصة بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذت لمنع التظاهر في المملكة الخليجية. أخذت الأزمة المصرية, حسبما يفهم من البيان الرسمي الصادر عن مكتب كاميرون, الحيز الأكبر من المباحثات التي شملت أيضا الأزمة السورية والخلافات بين إيران والبحرين. وتضمن البيان فقرة خاصة عن مصر تقول: اتفق الزعيمان علي الحاجة إلي تجنب العنف وإيجاد حل سلمي ناجح؟. في اللقاء نفسه, عبر الملك عن رغبة البحرين في صفقة بقيمة مليار جنيه استرليني علي الأقل لشراء عدد من طائرات يوروفايتر من صنع مؤسسة تصنع السلاح البريطانية بي إي أيه سيستمز. وصرحت متحدثة باسم الشركة ل الأهرام بأن البحرين طلبت رسميا من الحكومة البريطانية البحث في شراء الطائرات.. ونحن ندعم الطلب البحريني.. غير أن المباحثات تجري في مراحلها الأولي بين الحكومتين البريطانية والبحرينية. ولاحقا كشفت صحف بريطانية عن أنه يجري البحث في صفقات مماثلة بين بريطانيا من ناحية والسعودية والإمارات والكويت وعمان من ناحية أخري, وهو ما يعني توفير المزيد من فرص العمل في صناعة السلاح وملحقاتها في بريطانيا. ومن بين تعليقات عديدة قالت صحيفة ديلي تليجراف عن الصفقات المحتملة بالإضافة إلي تأمين الصفقات التجارية السخية( في مجال التسليح), فإن إحياء النفوذ البريطاني في شرق السويس( أي خارج مصر وبالتحديد في منطقة الخليج), سوف يطمئن دول الحليج, مثل البحرين والإمارات اللتين لا تزالان تقاتلان ضد محاولات المتشددين الإسلاميين الإطاحة بحكومة هذين البلدين. ما هي طبيعة هذا التطمين البريطاني؟. الإجابة المباشرة هي العمل علي إنجاح حركة الجيش المصري في العبور بمصر إلي مرحلة تغيير ديمقراطي حقيقي دون تمكين الإخوان المسلمين من إعادة الرئيس المعزول محمد مرسي, وهو ما يعني إفساح مشروع الإسلام السياسي للتغيير, ويعرقل او يؤجل, علي الأقل, تطبيق مشروعات مماثلة في دول الخليج. بوادر التطمين جاءت في أثناء مفاوضات, علم الأهرام أنها تجري الآن بين الحكومة البريطانية والإخوان المسلمين في مصر ولندن. فقبل زيارة الملك حمد, كان البريطانيون يتحدثون صراحة عن: إطلاق سراح السجناء السياسيين بمن فيهم الرئيس محمد مرسي( بما يعكس عدم اقتناع بريطانيا بأن الاتهامات الموجهة له سياسية وليست جنائية), وقتل قوات الأمن للمتظاهرين السلميين( بما يحمل السلطة مسئولية أعمال القتل منذ عزل مرسي), والعودة إلي الديمقراطية( تأكيدا لاعتقاد بريطانيا بأن حكم الرئيس المعزول كان ديمقراطيا). تغيرت اللهجة فعلي الرغم من تأكيدها أن المملكة المتحدة لا تساند التدخل العسكري لتسوية النزاعات في أي دولة ديمقراطية, يضغط البريطانيون الآن لاقناع الإخوان المسلمين بتجاوز ماحدث والتعاون مع القوي الآخري. والهدف, كما قال متحدث باسم الخارجية البريطانية ل الأهرام هو تجديد واستعادة الانتقال الديمقراطي في مصر بوسائل منها انتخابات سريعة حرة ونزيهة والعودة إلي حكومة يقودها مدنيون. وقال المتحدث إن الحكومة البريطانية أبلغت الرسالة التالية للحكومة المصرية المؤقتة والإخوان المسلمين هي: مسئولية الزعماء من كافة الأطراف هي اتخاذ خطوات لخفض التوتر. ورغم أن رؤية الصحف البريطانية لاتزال تتعامل مع ما حدث في مصر يوم الثالث من يوليو الماضي علي أنه انقلاب عسكري علي رئيس منتخب في مصر بعد ثورة25 يناير, وتحذر من أن مصر تقف علي نصل سكين مسنون بسبب إصرار الإخوان علي استعادة الشرعية, وتمسك الحكومة بضرورة فض اعتصامات مؤيدي مرسي والمضي في خريطة المستقبل, فإنه يبدو من تغيير النبرة الرسمية البريطانية أن حكومة كاميرون تنصت إلي أصوات الدول الخليجية مراعاة للمصالح القومية لبلاده, لا سيما وأن أيا من طرفي الصراع في مصر لم يتمكن من حسم الأزمة لصالحه. وفي الوقت ذاته, ظهرت أصوات أكاديمية علي صلة قوية بالخارجية البريطانية تعيد شريط الأحداث في مصر. من هذه الأصوات, صوت جين كينينمونت, كبيرة الباحثين في برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في المعهد الملكي للشئون الدولية تشاتام هاوس, الذي يرتبط بشراكة مع وزارات الخارجية, والدفاع والتنمية الدولية. تقول كينينمونت, في قراءتها لمصر بعد30 يونيو, إن الإخوان بالغوا في حجم التأييد الشعبي وفشلوا في الاستماع إلي المعارضة, ووصفوها بأنها مدعومة من الخارج. وتنبه الباحثة إلي أن كثيرا من المحتفلين في مصر بعزل الجيش لمرسي غاضبون من وصف وسائل الإعلام الغربية لما حدث بأنه انقلاب ويقولون إنه وصف غير منصف لأن تدخل الجيش تمتع بتأييد شعبي. وهنا تعلق الباحثة قائلة: بالفعل( هنا تأييد شعبي).. فالجيش تحرك فقط بعد أن دفعت حركة شعبية( تمرد) ملايين الناس إلي الخروج إلي الشوارع. وتشير كينينمونت إلي أن الجماعة تتحمل مسئولية تدخل الجيش. وتقول: في مواجهة إنقلاب عسكري, يواصل الإخوان اعتبار أنفسهم الجماعة ذات الشرعية الديمقراطية.. غير أنه بالنسبة لمعارضيها, كانت الجماعة تميل إلي طغيان الأغلبية إلي حد أن البعض خلص إلي أن يري تدخل الجيش هو أفضل حام للديمقراطية, وهو أمر يثير السخرية. صدي أصوات المغتربين المصريين في المملكة المتحدة وصل أيضا إلي آذان الحكومة البريطانية. وبعد أن كان صوت مؤيدي الرئيس المعزول, الذين يتظاهرون أسبوعيا في لندن للمطالبة بمقاطعة بريطانيا لنظام الانقلاب العسكري في مصر, أعلي وأكثر تأثيرا في وسائل الإعلام البريطانية, سمع المسئولون البريطانيون صوت مؤيدي النظام الجديد. وتلقي مكتب رئيس الوزراء يوم السبت الماضي التماسا من اتحاد المصريين في بريطانيا يدعو إلي النظر إلي أحداث30 يونيو وما بعدها علي أنها ثورة شعبية تستحق المساندة وليس انقلابا عسكريا. ونضح الالتماس بمرارة واضحة من حكم الرئيس المعزول ومن موقف الداعين لإعادته, حتي إن الموقعين عليه اتهموا أنصار مرسي بأنهم مسلحون ويقترفون فظائع مروعة وينظمون موجات عنف تروع النساء والأطفال والأقليات في أنحاء مصر. وهذا الالتماس غير مسبوق. فلأول مرة يوقع600 مصري من مختلف المستويات الاجتماعية والتعليمية والمهنية في بريطانيا علي مثل هذا الالتماس. وأرادوا التعبير عن إجماعهم علي مناشدة بريطانيا' العمل مع الرئيس والحكومة المؤقتين من أجل مصلحة مصر. وبلغ حماس هؤلاء حد مطالبة كاميرون بالتدخل لوقف التحيز الواضح من جانب بعض وسائل الإعلام الغربية التي تصف أحداث عزل مرسي في الثالث من يوليو الماضي بأنها انقلاب علي الشرعية.