تعد ظاهرة الزواج عن طريق الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي الفيس بوك أحدي ابرز الظواهر التي عرفت طريقها بين الشباب. وأظهرت الدراسات الحديثة واستطلاعات الرأي في مصر وعدد من الدول العربية أن غالبية الفتيات يلجأن لمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة لاختيار الزوج. بعد تفشي ظاهرة العنوسة في المجتمع المصري, والتي وصل تعدادها في عام2012 إلي5 ملايين من الفتيات و8 ملايين من الشباب. وظهرت الكثير من المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي للزواج بهذه الطريقة, ويتعدي زوارها الملايين, فقد يصل بعضهم إلي15 مليون زائر يوميا, وتزيد نسبة الذكور علي الإناث- حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ونحن بدورنا نسأل علماء الدين حول مشروعية البحث عن زوج أو زوجة عبر الإنترنت ؟ وكيف يمكن مراعاة الآداب الإسلامية في ضبط المحادثات؟ وهل يجوز للبنات تبادل الصور الشخصية مع الشباب ؟ وما الحكم إذا أقدمت الفتاة علي ذلك دون علم والديها ؟ الفقهاء يؤكدون أن هذا يفتح بابا من الشر والفتنة, وانه لا يجوز أن توضع صور الفتيات علي الإنترنت وأن تجعل صور المسلمات وعناوينهن الإلكترونية عرضا عاما مستباحا لمن يرغب في التمتع بالنظر والتعارف. وآخرون يرونه وسيلة عصرية اقتضتها طبيعة وتطورات العصر وانتشار وسائل الاتصال الحديثة, وان التعارف والزواج عبر الانترنت, جائز وفق عدد من الضوابط والشروط. حلال بشروط يقول الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية, إذا كان التعارف بين الشاب والفتاة عبر الانترنت يتم بنية جادة, وبقصد توظيف هذا التعارف في إطار الزواج, وإذا توافرت تلك النية لدي الطرفين فلا مانع من ذلك لقول الرسول صلي الله عليه وسلم أنما الإعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوي. وهذا ينطبق علي أية وسيلة للزواج سواء كانت الكترونية أو غير الكترونية, كوسائل التعارف المباشر مثل الزمالة في العمل أو الجامعة أو النادي فهذه كلها في إطار الوسائل الحديثة للزواج, فلا تختلف هذه الوسائل عن الانترنت فالحياة المعاصرة قضت وسائل جديدة لم تكن موجودة من قبل لأن الوسيلة من خلال شبكة التواصل الاجتماعي, هي وسيلة حديثة ولابد أن توظف توظيفا جيدا يتفق مع النية الحسنة للتعارف من أجل الخطبة والزواج الشرعي, والدليل علي ذلك القاعدة الشرعية التي تنص علي أن الوسيلة إلي الحرام حرام والوسيلة إلي الواجب واجبة والوسيلة إلي المندوب مندوبة والي المباح مباحة فالزواج هنا في حكم المندوبفأن استخدام الانترنت أو الشات من أجل الخطبة فهي حلال شرعا, ما دامت النية جادة حول هذا الزواج من كلا الطرفين, فنحن أمام عالم متغير فلابد أن تتوافر النية السليمة لدي الطرفين بهدف الزواج. وأضاف الدكتور الجندي أن هناك قواعد وضوابط تحكم الزواج عن طريق التعارف من خلال الانترنت بداية بالخطبة حتي الزواج أهمها المكاشفة والمصارحة بين الطرفين والحرص علي الصدق وتقديم الحقائق عن كل منهما وهذا ما يتوقف عليه نجاح او فشل الزواج وان يأتي الثمار المرجوة منه, وأن تكون النية جادة بينهما, وان تقوم وسيلة التعارف علي المصارحة والمكاشفة والصدق بين الطرفين بهدف الزواج, وان يعلم الأهل بذلك خاصة أهل الفتاة وألا يكون هناك إخفاء من جانب الفتاة علي أهلها وتخبرهم أنها سلكت هذا الطريق بهدف إفساح المجال للاقتران بشريك حياتها, وألا تتضمن مثل هذه المحادثات بينهما أي حديث يتضمن إسفافا أو مخالفات شرعية كأن يتم تبادل الصور الشخصية من جانب الفتاة لأنهما طرفان أجنبيان عن بعضهما وألا تتضمن ألفاظا تخرج عن المألوف بينهما. محظور شرعا من جانبه يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن محادثات الشات عن طريق التواصل الاجتماعي بين الفتي والفتاة بقصد الزواج لا يجوز شرعا, وذلك أن العلاقة بين الفتي والفتاه الأجنبية عنه علي أصل الحرمة ومن ثم فأن إنشاء علاقة عن طريق الفيس بوك حتي ولو كانت بهدف الزواج فأن هذا حرام شرعا تحكيما لأصل العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه, يضاف إلي هذا أن إنشاء علاقة علي هذا النحو لا توصل إلي الغاية المرجوة منها, وذلك لما ثبت أن التعارف بين الطرفين علي هذا النحو يكون في الغالب تغريرا وغشا بين الطرفين للطرف الأخر منهما, وإذا تم الزواج في ظل الغش والكذب بينهما فإنه لن يدوم طويلا وإنما سينتهي بمجرد أن يبدأ إذا قدر له البداية, وفي الغالب لا يبدأ هذا الزواج باعتبار أن كل طرف يتشكك في الطرف الأخر كم مرة تحدث مع طرف أخر بهدف الزواج, ومثل هذا أذا بدأ الزواج به فأنه سرعان ما ينتهي ولا يستمر. وأكد الدكتور عبد الفتاح إدريس, ان الواقع المشاهد والتجارب المتكررة, تبين أن هذه العلاقات التي تتم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تسعي إلي تضييع الوقت مع الطرف الآخر مما يؤدي إلي مفاسد كثيرة نعلمها جميعا. وإذا كان الشارع الحكيم قد سد كل السبل أمام المفاسد فأن من أعظم المفاسد أن يتم إنشاء علاقة بين طرفين بهذه الطريقة حتي لو كانت بهدف الزواج الذي يرغب فيه كلا الطرفين واصدق مثال علي ذلك أننا لم نشاهد حالة زواج واحدة ناجحة تمت بهذا الطريق وحتي إن وجدت فأن هذا لا يكفي للقول بحله فالأمر فيه علي الحظر ولا يباح بأي حال من الأحوال. ضعف الوازع الديني وتشير الدكتورة الهام شاهين, مدرس العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر, إلي أن الإسلام أمرنا بالتعارف بين الناس وانه لابد أن يكون هذا التعارف قائما علي التقوي, وان يعرف الجميع أن الله مراقب لنا في كل أفعالنا لقوله تعالي: يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم. فإذا كان الغرض شريفا وقائما علي رضي الله سبحانه وتعالي فأنه يحدث للأسف مع ضعف النفوس وضعف الوازع الديني وتسلط الشيطان علي أعمال الناس, فلا يحدث الزواج من أجل التعارف إنما يحدث التعارف من اجل إقامة علاقات محرمة أو بهدف التسلية, ونري أمامنا تجارب كثيرة لفتيات وسيدات وقعن فريسة للرجال خدعوهن بهدف الزواج إنما كان الهدف الأساسي هو إقامة علاقات محرمة لأنها تصدق ما يقال لها وليس لديها أية نوايا سيئة. كما أن هذا التعارف يقوم علي العديد من المعلومات الخاطئة. وفي ظل التدهور الأخلاقي الذي نعيشه, لا يجوز إقامة أية علاقات سواء كانت تعارف أو غيره إلا بغرض المنفعة وتبادل المعرفة ولقضاء المصلحة فقط, ولذلك فأنه من باب سد الذرائع والمفاسد لا يجوز إقامة علاقة بين الرجل والمرأة علي صفحات التواصل الاجتماعي طالما كل منهما غريب عن الأخر, وليعلم الجميع أن الزواج عن طريق الانترنت فاشل لما ينطوي عليه من غش وتدليس وفساد ويجعل التعارف بينهما من خلال الانترنت فقط ولا يكفي بأي حال من الأحوال لكشف شخصية الأخر لكي يتم الزواج الناجح وكما قال الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم الشيطان يفتح سبعين بابا من أبواب الخير ليلج منه إلي باب واحد من أبواب الشر.