جاء في الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي أن يهوديا من شهرستان صحب مجوسيا من كرمان في سفر وكان المجوسي يركب بغلة عليها كل ما يحتاجه, وبينما هما يتحادثان إذ قال المجوسي لليهودي: حدثني عن مذهبك واعتقادك فقال اليهودي: أعتقد أن في السماء إلها هو إله بني إسرائيل اعبده واسأله السعادة وطول العمر والنصر علي الأعداء لنفسي ولمن علي ديني وأري أن من يخالفني في ديني ومعتقدي فحرام علي نصرته ومعاونته والرحمة به, وحلال لي دمه وماله وعرضه! ثم سأل اليهودي المجوسي عن مذهبه فأجاب: أريد الخير لنفسي وللناس جميعا ولا أريد لأحد من خلق الله سوءا أو ضرا أو شرا سواء كان علي مذهبي أو خالفني, فقال اليهودي: وإن ظلمك وتعدي عليك؟ قال نعم وإن ظلمني لأني أعلم أن في السماء إلها عادلا حكيما عليما لا تخفي عليه خافية يكافيء المحسنين بإحسانهم ويجزي المسيئين علي إساءتهم, فقال اليهودي: لكني لست أراك تحقق مذهبك في وأنا من أبناء جنسك وإنسان مثلك وتراني أمشي متعبا بلا زاد وأنت تركب البغلة وعليها ما عليها؟ فقال: صدقت وماذا تريد؟ قال: اطعمني واحملني علي بغلتك ساعة لاستريح! ففعل المجوسي فلما تمكن اليهودي من البغلة ولاحظ التعب علي رفيقه حرك البغلة وسبقه فجعل المجوسي يجري خلفه ويناديه أن يقف ليريحه كما أراحه ولكن دون جدوي, فقال اليهودي: لقد حققت مذهبك معي وها أنا ذا أحقق مذهبي معك! فأخذ المجوسي يسترحمه ويبكي دون أن يتحرك قلب اليهودي بل أسرع وغاب عن بصره!! ولما يئس المجوسي وأشرف علي الهلاك رفع رأسه إلي السماء وقال: إلهي.. لقد اعتقدت مذهبا وحققته ونصرته ووصفتك بما سمعت فحقق عند اليهودي ما وصفتك به ليعلم حقيقة ما قلت! فما مشي إلا قليلا حتي رأي اليهودي وقد رمت به البغلة فاندقت عنقه وهي واقفة بالبعد تنتظر صاحبها الذي لحق بها وركبها, ثم ما لبث أن عاد أمام توسلات اليهودي فحمله معه علي ظهر البغلة حتي لا يتركه يقاسي الجهد ويعالج كرب الموت!؟ لأنه في النهاية إنسان! وقد حدث مثل ذلك أو قريب منه مع ثورة الخامس والعشرين من يناير فتمسك فصيل يقر أن في السماء إلها هو إلههم فقط يعبدونه ويسألونه النصر علي من خالفهم وإن كانوا علي نفس دينهم ولكن خارج جماعتهم حتي تمكن من حكم مصر بمباركة فصائل أخري وطنية ومتدينة لكن لا تلبس عباءة الدين ولا تضمر الشر لأحد وإن خالفها في التوجه والوجهة والمعتقد فأقصاهم جميعا وتآمر عليهم ومضي يحقق مذهبه فيهم ولكن لأن في السماء إلها عادلا عليما حكيما يكافيء المحسنين علي إحسانهم ويجازي المسيئين علي إساءاتهم فقد جاءت ثورة التصحيح في30 يونيو وتم استعادة المركب التي نأمل أن يعامل ربانها المنتظر المخلوعين معاملة المجوسي لليهودي في قصتنا ويتحلي بروح وقلب الثائر الحق كما وصفه الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه بالعفو عن كل من يتخلي عن العنف منهم وإدماجه في العمل الوطني ومرحبا بكل من يريد أن يتعبد لله بخدمة مصر وشعبها الطيب وأعتقد بما لا يدع مجالا للشك أن المصري مع المصري سيكون أكرم من مجوسي كرمان مع يهودي شهرستان. د. سمير البهواشي