آمنت وبصمت بالعشرة أننا بالبلدي كده موش وش نعمة ولا راحة بال وهدوء واستقرار حال. بل إننا كفرنا بهذه النعمة وسط هذا العراك والشجار والقتال والدماء والفرقة والانقسام, لقد انحدرنا إلي ما هو أسوأ من هذا وأذل سبيلا.. بعد أن تنكرنا لنعمة ربنا ودسنا علي قدرنا ورزقنا بأقدامنا.. ولم نرض بما قدمه الله لنا في لحظات فارقة في تاريخنا كله اسمه: انتصار عظيم علي دولة البغي والقهر والظلم المبين, ورفع رايات أعظم ثورة في تاريخنا كله. آمنت وبصمت بالعشرة أننا أصبحنا حقا وصدقا.. لا نريد أن نغلق علينا دورنا في المساء علي كلمة طيبة.. ولقمة هنية ونومة رضيه وكسرة خبز نقتسمها معا.. كما نقتسم الهم والغم.. ليصبح هما وغما واحدا.. وكما نقتسم الفرح والهناء ليصبح الفرح فرحين والهناء هناءين.. واللمة بتشديد الميم تحلي ودقي يا مزيكا وطبل يا زمار وارقصي يا بديعة كما قالها فنان الشعب علي الكسار بربري مصر الأول وهذا لقبه.. في الزمن الجميل وادلعي ولعلعي يا شربات! لقد أصبحنا أيها السادة شئنا أم لم نشأ.. بخاطرنا أو غصبا عنا.. كمن يعاقب نفسه بنفسه.. يا له من شعب عجيب غريب ولم تلده ولادة.. بل أخرجته إلي الدنيا جنية خبيثة المقاصد.. شريرة المطامع.. أطلت علينا بوجهها القبيح من كهوف العجب وصحائف القهر وشعاب الكراهية لكل ما هو جميل ورائع وطيب في حياتنا. لقد أصبحنا في فرقة ما بعدها فرقة.. وفي انقسام ما بعده انقسام.. كأننا نريد أن نعاقب أنفسنا بأنفسنا.. انقسمنا هذا الانقسام العجيب الذي يدمر كل شيء ويفسد كل شيء ويكيل التراب علي كل شيء.. ونحن يا دوب قد خرجنا من طين العفن وخندق العوز.. وتخلصنا من كابوس الذل والمهانة وكسرنا بإرادتنا الحرة زنزانة القهر والظلم المبين.. نحن أيها السادة في عبارة صريحة مريحة.. كمن يعاقب نفسه بنفسه بتقطيع هدومه.. بالفرقة.. والقتل وسفك الدماء وإشاعة الفوضي والنزول إلي الشارع.. لا للهتاف باسم الحرية.. ولكن للثأر والثأر فقط! أيها السادة.. بدلا من أن نحمد ربنا ونشكر فضله وعدله.. انقسم الشعب المصري إلي معسكرين.. هنا قتلي وجرحي.. وهناك قتلي وجرحي.. مثلهم أو أكثر أو أقل.. لا يهم.. ولكن بينهما في وسط الطريق لافتة مكتوب عليها تار بايت. فريق كان يجلس قبل أيام علي كرسي السلطة.. ثم أصبح الآن في عرض الطريق! وفريق آخر كان الشارع والميدان موطنه الدائم.. أصبح يجلس الآن علي كرسي الرياسة والإمارة والإدارة والبغددة الذي اسمه كرسي السلطة والإمارة! يا سبحان مغير الأحوال.. من هنا.. لم يعد غريبا أو عجيبا أن تنطلق في كل شوارعنا ومياديننا دعوة خبيثة الخبث كله اسمها الانتقام.. وهي في الحقيقة ليست مجرد دعوة انتقام فريق لفريق آخر.. ولكنها دعوة صريحة للانتقام من مصر نفسها.. أمنا كلنا.. ليس فقط بتمزيق ثياب بعضنا بعضا أو الضرب بالروسية.. وبالخرطوش والمولوتوف.. ولكن بإلقاء بعضنا بعضا من فوق أسطح المنازل كده عيني عينك كأننا قد تحولنا إلي قردة تتصارع وتتشاجر فوق أشجار الغابة! مرة أخري.. تصوروا من هذا المشهد الغريب المريب مصري يلقي مصريا آخر من فوق أسطح المنازل في الإسكندرية.. ليس لعداوة أو لثأر قديم.. ولكن لمجرد اختلاف في المواقع السياسية والسيادية.. ألم أقل لكم أننا أصبحنا مصابون هذه الأيام بمرض نفسي غريب وعجيب اسمه في علم النفس: الماشوسيزم الذي أصبح يدفع المصاب به لكي يعاقب نفسه بنفسه ويعذب نفسه بنفسه.. تصوروا وتعجبوا! ألسنا رفاق درب وطريق؟ ألسنا رفاق وطن واحد.. ومصير واحد.. من ينتقم من رفيق درب وطريق وقضية سياسية.. أليس هذا كمن ينتقم من نفسه هو.. واللا أنا غلطان؟! .................. .................. عداك العيب يا صديقي يا كاتب ياكبير! يرد علي بصوت أجش عمنا قراقوش الذي حكم مصر بالحديد والنار.. من قبل البطل صلاح الدين الأيوبي.. عندما كان مشغولا بتحرير بيت المقدس من دنس الصليبيين وقطع دابرهم من بلادنا! أتلفت خلفي لأجده أمامي من دون حصانه وسط الزحام بنفس ملابس عصره وطوله الفارع التي شاهدته عليها من قبل.. الصديرية الخشنة والسروال العجيب.. والخوذة التي لا تفارق رأسه.. قلت له: أي ريح طيبة أتت بك إلي هنا ونحن وسط هذا الزحام من الشباب الصغير الذي يهتف لمصر وللثورة؟ قال: إنها أحوالكم العجيبة.. ماذا تفعلون بأنفسكم ياصديقي؟ أنتم تمزقون وطنا عظيما بحاله وتحرقون أجمل وأروع صفحات نضال في كتاب ثورتكم بالخناق والانقسام والتراشق والشتائم والسباب وتقطيع الثياب.. وحرب الشوارع التي تخوضونها بالحقد والثأر والرصاص والدم.. ضد رفاق درب وطريق وصحبة ومائدة واحدة ورغيف واحد وهم واحد! قلت: كما تري يا صديقي نحن كل يوم في حال.. وها نحن نعاقب أنفسنا بأنفسنا.. بالشجار والعراك والقتل أحيانا! قال متعجبا: لا أعرف ولا أفهم حتي الآن.. لماذا أزحتم أول رئيس منتخب في بلادكم؟ ألم تحسبوا أن له جماعة وأنصارا وأتباعا سوف يثورون وسوف ينتقمون؟ قلت: هذا هو ما جري بالضبط؟ قال: يا سيدي لقد وصف المستشار طارق البشري عملية عزل الرئيس مرسي المنتخب انتخابا ديمقراطيا عن طريق الصندوق بأنه انقلاب عسكري علي رئيس منتخب بإرادة شعبية حقيقية! قلت: أنا أميل مع الرأي الذي يقول إن ما حدث ليس انقلابا عسكريا.. وإنما تصحيح لمسار الثورة.. ولقد وقفت القوات المسلحة إلي جانب الثوار.. قال قراقوش: يا عزيزي الصورة أمامكم لا تكذب ولا تتجمل, المظاهرات في الشوارع والمصادمات في الميادين, ودماء تسيل هنا وهناك.. وكلها دماء مصرية.. وبلد لا يعمل بعد أن أصيب بشلل المظاهرات والمليونيات والاعتصامات التي لا تتوقف.. ماذا تفعلون بأنفسكم يا شيخ الكتاب؟ ................... .................. أخذت عمنا قراقوش إلي خيمة ظليلة وقلت له: يا عزيزي قراقوش ألم يكن للنظام أخطاء ولم يخطئ الإخوان بالتكويش علي كل المناصب وإقصاء الآخرين؟ قال: نعم.. هذه حقيقة ولكن ليس بقدر رد فعل الجانب الآخرالذي خلع الرئيس المنتخب دون سابق إنذار! هذا رأيي.. قد لا يعجبك.. ولو أنني جلست علي كرسي الحكم في بلدكم العجيب هذا.. أسأله بلهفة: ماذا كنت ستفعل يا عمنا قراقوش يا أظلم الحكام طرا كما كان يصفك أهل مصر؟ اعتدل قراقوش في جلسته وقال لي: اسمع يا هذا.. الحاكم علي أيامي لا يحاسبه أحد كما يحدث عندكم الآن حساب الملكين.. الحاكم لا أحد يسأله لماذا فعل كذا ولماذا لم يفعل كذا؟ الحاكم لا أحد يراجعه.. الكل يسمع الأوامر ويطيعها وينفذها علي الفور.. مثلما كان يحدث في عهد جمال عبدالناصر وأنور السادات. أسأله: ماذا يحدث يا عم قراقوش اذا عصي أحدهم أوامر الحاكم؟ قال: السياف مسرور أولي به! قلت: يا ساتر يارب.. الحمد لله أن هذا السياف مسرور قد اذهب إلي غير رجعة! قال: أنا أعرف أن الرئيس محمد مرسي قد ارتكب أخطاء كبيرة وكثيرة ولكنها في اعتقادي لا تصل إلي حد إبعاده وإقصائه عن المشهد كله.. فجأة ودون سابق إنذار! قلت: انظر من النافذة.. الإنذار هو هذا الحشد الهائل من أبناء مصر الذين رفضوا سياساته وقراراته وعانوا من هذه السياسات كثيرا.. قال: صدقني يا عزيزي.. كل هذا كان من الممكن تداركه بقليل من الحكمة وكثير من الصبر وعظيم من الجهد وإعمال العقل! قلت: وهو بقي فيها عقل؟ قال: اذا اردت العقل.. خد عندك واكتب في أجندتك: 1 إلقاء السلاح من الطرفين.. والجلوس إلي مائدة المفاوضات. 2 إيقاف كل أعمال الاعتقال والقبض علي رموز جماعة الإخوان وأقطاب دولة الدكتور محمد مرسي فورا لإثبات حسن النيات. 3 حل مشكلة سيناء وتخليصها من مثلث الرعب والعصيان والجماعات المتطرفة بالحرب أولا.. ثم بالتعمير ثانيا.. أو بالاثنين معا! 4 الجلوس إلي إخواننا في غزة لمنع دعمهم علي الأقل لأي عمل تخريبي أو انتقامي في سيناء.. كما حدث عندما اغتال مجهولون القس المصري في العريش.. وفجروا خطوط الغاز+ توقف عمليات قتل رجال الشرطة الابطال في العريش! 5 إعلان سيناء كلها منطقة حرب يتولاها الجيش المصري.. بتطهيرها من كل عناصر الإرهاب التي اتخذتها في أيام حسني مبارك مقرا ومرتعا! 6 أن يجلس فصيل طيب من أولي الرأي والحكمة والدين فينا.. مع الشخصيات العامة ورجال سياسة بلا مطامع ورجال أحزاب شرفاء حول مائدة مستديرة ويطرحون كل شيء وأي شيء دون حرج.. ودون أي حساسيات ويقدمون لنا ورقة عمل اسمها ورقة خلاص مصر.. ................. ................. لك الله يا مصر في محنتك بعد أن تسرب العقل منا وطار بعيدا بعيدا إلي شواشي الشجر. وبعد أن ركبنا كلنا ناقة الحمق والعناد الذي يورث الكفر.. حتي الجنون نفسه لم يترك لنا في عقولنا صوابا! مصر.. أيها السادة تحترق أمام أعيننا.. ونحن عنها لاهون.. عابثون.. مشغولون بالكرسي وسنينه.. وآه يا زمان العبر .. بكسر العين وفتح الباء!{ لمزيد من مقالات عزت السعدنى