إن سئلت يوما عن فيروز, سأقول والمناسبة عيد ميلادها انها اعتذار عن قبح الأصوات التي تقتحم آذاننا, انها عطر المحبة الأكثر ديمومة من الحب, فالحب يصيبه كثيرا هشاشة العظام وأحيانا يقتله فيروس الأنانية, صوت الفيروزة لا يصحي المواجع ويملأ الدنيا أملا ويحبط الإحباط, صوت نهاد حداد اسمها في شهادة ميلادها تراتيل في كنيسة الحياة وصلاة في هيكل الفن, صوت فيروز, فيه عذوبة الندي وصفاء النبع, وبهاء الزهرة وخشوع المصلي وانسكاب ضوء القمر علي الدنيا, صوت فيروز لا يدخل بورصة الأصوات, لأنه غطاء بالذهب, لا يتأثر بأحكام السوق. إن سئلت يوما عن الحراك السياسي, سأقول: إنه ليس التلطيش في شارع السياسة, وليس التشويه للرموز, إنه نوع من التحليق بلا أجنحة في فضاء الفوضي, إنها الأيام المرهقة التي تبدأ بصراخ الصحف وفي الليل تحاصرنا نباح الفضائيات, الحراك السياسي فوران يعقبه فتور, وعواصف تعقبها أمطار وسهام طائشة وبمب أطفال وعراك مصارعين متفاهمين سرا علي اللعبة, الحراك السياسي صحي عند( أصحاء) لا مرضي.. وعند( عقلاء) لا مخابيل, معايير الحراك السياسي هي الأعلي صوتا والأكثر شوكا, الحراك السياسي في الدول الجادة المتقدمة( يتمخض) عن رؤي مستنيرة ووجوه أكثر استنارة. إن سئلت يوما عن نضج الشعب المصري, سأقول: ثلاث أرباعه يفكر بجهازه الهضمي, ومثقفون انفعاليون وبعض من نخبته انتقاميون, وقليل من صفوته يفكرون عقلاء لكنهم( منسحبون) يعيشون اليوم وينكمشون حيث تضيع أصواتهم في المدي, لم ينضج الشعب المصري برغم التأكيد الفلكلوري علي نضجه, وكيف ينضج والأمية تفترسه والعشوائية تسكن رأسه والفهلوة سلاح رزقه والخضوع المطلق لصاحب الفضل في لقمته, الشعب المصري لم ينضج والقبلية تحكمه في الانتخابات ومعها العشم وبلدياتي فيأتي الأقل كفاءة. إن سئلت يوما عن الفلسطينيين, سأقول: ذبحونا بتناقضاتهم وهذا قدر مصر, عذبونا بالوساطات والتعهدات والوعود وهذا قدر مصر, رأينا معهم النجوم في عز الظهر علي طاولة المفاوضات وتصريحات قادتهم والحلول المستعصية علي الحل وهذا قدر مصر, دوخنا سليمان وأبوالغيط( رايحين جايين) نسدي النصائح ونضمد الجروح ونقرب وجهات النظر ونحاول لم الشمل وهذا قدر مصر, نسينا قضايانا وأرجأنا مشكلاتنا لنفسح الطريق للقضية الفلسطينية الفلسطينية وهذا قدر مصر. إن سئلت يوما عن المرأة, سأقول: بحرها واسع ملوش قرار, ضوءها ساطع يعمي العيون, سحرها كامن يهاجم الضعف بشراسة, عيناها فهرس حياتها, وأدواتها الآمرة الناهية, دموعها, أصدقها نادر وأكثرها تأييد أصوات, وجوهها مائة وجه وصوتها بإيقاعات مختلفة وذكاؤها له مخالب ناعمة وغضبها يكشف لك عن معدنها وتخطيطها أقدر من معهد علمي للتخطيط ومراجعتها في أمر ما مغامرة غير محسوبة, تريدك بوصلة اتجاهات وفي نفس الوقت تحلم بالحرية, محيرة لا تعرف ماذا تريد. إن سئلت يوما عن الوطن, سأقول: إنه ليس موقعا فوق خريطة وليس مياها إقليمية يحظر تجاوزها, وليس نشيد صباح يردده تلامذة المدارس وليس أغنية علي حنجرة مطربة وليس علما يرتفع فوق هامات المصالح الحكومية, وليس عملة ورقية نتداولها بتوقيع محافظ البنك المركزي, وليس جواز سفر يفحصه ضباط المطارات في مواني العالم وليس تاريخا يضم حوادث سيئة, وليس تشدقا بالوطنية وليس نيلا يجري بين ضفتين, الوطن سواعد قررت البناء وعقول قررت الفكر وعلماء تفرغوا للمعامل, الوطن هو البداية بالذات وحينئذ يكون العزف بلا نشاز لهدف واحد هو رفعته, الوطن انشاد صامت ونحت من حجر القلب وايقونة حب في الصدور وأشجار جدية ترعرعت في مزارع التقدم, الوطن جوهر لا مظهر. إن سئلت يوما عن الزمن الجميل, سأقول إنه ليس نكوصا الي الماضي, وليس رفضا للحاضر ولكنه كان زمنا مختلفا يستفز احساس الحسرة: ففي الفن كانت الأصالة, وفي التعليم كانت الإفادة, وفي التعاملات اليومية كانت الوداعة, وفي الدين كانت السماحة, كان زمن روقان, الحب فيه خطاب أزرق, ودمعة حائرة وشفاه مرتعشة, الفراق فيه نزيف ذكريات وشغف محروم ولهفة مذبوحة وأصابع مشتاقة, الاخلاص في ذلك الزمن يبدأ من كناس الشارع وعربية رش البلدية وسائق الحنطور والقمصانجي وتفصيل الأحذية بالمقاس, نعم كان زمان روقان, عندمات يرن تليفون البيت الأسود اللون المسحوب بسلك أبيض, وفنجان شاي ساعة العصاري ويجري في الشارع سيارات متناثرة والناس علي الرصيف سائرون, زمن روقان. إن سئلت يوما عن العمر, سأقول: ليس بعدد السنين إنما بالتجربة والصحة والتفاعل مع مجتمع والقدرة علي اكتساب أصدقاء والدهشة التي لم تهاجر من الصدر, العمر.. كلما طال قصر, العمر مسرحية هزلية عبثية تبدأ بصرخة وتنتهي بشهقة, العمر تجربة حياتية دعامتها القناعة وشريانها الرضا, بدون القناعة والرضا نهدم معمار العمر, العمر عند البعض مكاسب رخيصة, مال, منصب, شهرة, نساء, أسفار, العمر لهاث حتي الاعياء, التكالب فيه يحرقه والاستغناء يطيله بأمر الله, العمر ليس لحظة بل لحظات ممتدة تموت وتتجدد كالخلايا, العمر أسئلة نجيب عن بعضها وتبقي البقية بلا اجابات, العمر وجوه مختلفة نظهر بها واقنعة نرتديها وادوار نلعبها, العمر حزام أخضر ثم يأخذ في الاصفرار. إن سئلت يوما عن الفروسية, سأقول: لقد غاب الفارس وسقط الحصان. إن سئلت يوما عن الظلم, سأقول: طفل تائه في شارع العدل. المزيد من مقالات مفيد فوزى