يمر المجتمع السياسي المصري بأزمة عميقة لاشك فيها. ولا ترد هذه الأزمة الخانقة فقط لانقسام التيارات والأحزاب السياسية إلي جبهتين متعارضتين. تمثل الأولي القوي الليبرالية والثورية, وترمز الثانية إلي القوي الإخوانية والسلفية والجهادية. ولكن لغياب معايير التقييم الموضوعي للأداء السياسي. وسواء في ذلك أداء رئيس الجمهورية أو أداء الوزارة الراهنة, أو حتي أداء جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة عن طريق حزبها الحرية والعدالة, أو أداء جبهة الإنقاذ التي تمثل المعارضة. ويمكن القول بكل موضوعية إننا نشهد في الواقع وفي الشارع السياسي آفات وتشوهات العقل السياسي المصري. وأبرزها جميعا إصدار الأحكام المطلقة والتعميمات الجارفة في مجال الحكم والمعارضة معا. ويدل ذلك وصف جبهة المعارضة حكم جماعة الإخوان المسلمين وعلي رأسها رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي بالفشل المطلق. وفي مواجهة هذا الحكم الحاسم تدافع جماعة الإخوان المسلمين عن رئيس الجمهورية بزعم أنه- بالرغم من قصر المدة التي تولي الرئاسة فيها- أنجز إنجازات خارقة! وكلا الحكمين- لو أردنا مناقشة موضوعية منصفة- لا يتسم بالموضوعية في التقييم. وذلك لأنه في الممارسة السياسية لمن في الحكم أو من في المعارضة ليس هناك فشل مطلق أو إنجاز خارق. فهذه الأحكام المطلقة تتجاهل أن أي ممارسة سياسية تتسم بالنسبية بحكم تعقد البنية الدولية والإقليمية والمحلية. بحيث لا يستطيع صانع القرار- أيا كان- حتي لو كان عبقريا أن يصنع قراره باتساق وبطريقة منهجية لا عثرات فيها, وكأنه يمارس فعله في أرض فضاء. في ضوء ذلك لا نستطيع أن نحاسب الدكتور مرسي لأنه لم يحقق العدالة الاجتماعية وهي أحد شعارات الثورة الرئيسية, لأن تحقيقها يحتاج إلي جهود دءوب لا يمكن أن تظهر ثمارها إلا في الأجل المتوسط أي بعد عشر سنوات مثلا, ولا يمكن الحكم علي فاعليتها ونجاحها إلا بعد الأجل الطويل أي عشرين عاما مثلا. ومن هنا فنحن- إن أردنا أن نكون منصفين- علينا أن نركز في التقييم علي الأجل القصير. وفي هذا المجال علينا أن نؤكد أن الدكتور مرسي- في المجال السياسي- قد فشل هو وجماعته فشلا بارزا! لأنه قلب المعادلة التي وعد بها حين كان مرشحا لرئاسة الجمهورية وهي شعار مشاركة لا مغالبة إلي معادلة أخري تكشف عن شهوة السيطرة المطلقة علي السلطة بواسطة جماعة الإخوان المسلمين, بمن ترتب عليها من إقصاء جميع الفصائل السياسية المعارضة بمن فيهم حلفاؤها من السلفيين من دائرة التشاور وصنع القرار. وإذا أردنا أن نحاسب رئيس الجمهورية سياسيا في الأجل القصير فلابد أن نعدد أخطاءه الجسيمة سواء في العدوان علي المحكمة الدستورية العليا وخصوصا فيما يتعلق بحكمها بحل مجلس الشعب لعوار دستوري شاب القانون, حيث أراد- بإرادته المنفردة وضد القانون- إلغاء حكم المحكمة, وأصدر قرارا جمهوريا بإعادة المجلس الملغي إلي الحياة, وهو القرار الذي اضطر اضطرارا إلي إلغائه بعد حكم المحكمة الدستورية العليا الثاني. غير أنه يمكن القول- دون أي افتئات عليه- أن أبرز أخطائه الجسيمة هو إصداره الإعلان الدستوري الشهير الذي منح فيه نفسه- ضد الأعراف الدستورية والقواعد القانونية- صلاحيات مطلقة, وحصن قراراته من الإلغاء بواسطة القضاء, كما حصن اللجنة التأسيسية للدستور وتشكيلها الباطل, وكذلك مجلس الشوري المطعون في شرعيته. وأخطر من ذلك أنه في الدستور الذي هيمنت علي صياغته جماعة الإخوان المسلمين أتاح لمجلس الشوري- المطعون في شرعيته وغير المؤهل للتشريع- وظيفة التشريع إلي أن يتم انتخاب مجلس النواب. وكان المظنون أن مجلس الشوري سيتولي التشريع فيما يتعلق بتشريعات ضرورية لابد من صدورها, ولكنه- ويا للغرابة- أخذ يتصدي لصياغة تشريعات أساسية في غيبة مجلس النواب بل إنه نكاية في السلطة القضائية- أراد بالقوة وبالعافية أن يعدل من قانون السلطة القضائية, حتي يتاح له بعد تخفيض سن القضاة إحالة أكثر من ثلاثة آلاف قاض علي المعاش دفعة واحدة, مما يترتب عليه ولا شك انهيار عميق في السلطة القضائية. وقد أدت ممارسة رئيس الجمهورية إلي شق المجتمع السياسي المصري إلي كتلتين متعاديتين تمثل الأولي حملة تمرد التي تريد سحب الشرعية من رئيس الجمهورية عن طريق توكيلات تحمل توقيع ملايين المواطنين احتذاء لا شعوريا ربما بالتوكيلات التي كتبها أفراد الشعب في أثناء ثورة1919 لإعطاء الشرعية لزعمائها بالتفاوض لتحقيق الاستقلال, وفي الجهة الأخري حملة تجرد التي تدافع عن شرعية الرئيس. والشعب يطالب في الواقع بتحقيق احتياجاته الأساسية, ولا يطمح في الأجل القصير إلي تحقيق العدالة الاجتماعية. ومن هنا فزعم أنصار الرئيس من جماعة الإخوان المسلمين بأن الرئيس أنجز إنجازات خارقة في الأجل القصير مسألة تدعو للرثاء لأن أفراد الشعب يعانون يوميا من الفشل الحكومي الذريع. وليس معني ذلك أن جبهة الإنقاذ المعارضة قد نجحت نجاحا ساحقا في معارضتها لسياسات جماعة الإخوان المسلمين, أو في تصديها للممارسات السياسية الخاطئة لرئيس الجمهورية. فقد أثبتت الأحداث أنها مجرد كيانات سياسية فوقية عاجزة عن التفاعل العضوي مع المواطنين في المدن والقري والنجوع, وقاصرة في مجال القيادة للشارع السياسي لأن الأحداث أثبتت أن الشارع هو الذي يقودها, وخصوصا جماعات الشباب من الثوار الذين نجحوا في حملة تمرد في ابتكار وسيلة فعالة لإبداء المعارضة للسياسات الإخوانية ولأداء الرئيس, ونجحوا بالفعل إلي الوصول إلي أعماق الشارع السياسي, والتفاعل الخلاق مع كل المواطنين من جميع الطبقات. ونحن لا نريد صداما دمويا يوم30 يونيو المقبل, بل نريد كفالة حق التظاهر السلمي دون استخدام أي عنف لإبداء الرأي في السياسات التي أثارت سخط المواطنين لفشلها في إشباع حاجاتهم الأساسية. ناهيك عن خطورة الاستئثار بالسلطة من قبل جماعة الإخوان المسلمين والإدعاء بأن الصندوق هو الحكم. وقد نسي هؤلاء أنه ليس هناك ديمقراطية بغير توافق سياسي, كما قرر الشيخ الغنوشي رئيس حزب النهضة الإسلامي في تونس, في الندوة التي عقدت معه في الأهرام وشاركت في مناقشاتها. ولعل جماعة الإخوان المسلمين تقتنع بهذه الحكمة السياسية التي دفعت بهذا المفكر الإسلامي الأصيل لكي يقرر أنه في تونس لا ينبغي- لمرحلة زمنية طويلة- لأي فصيل سياسي أن يحكم منفردا. وهذا الشعار في تقديرنا هو المعبر عن جماهير ثورة25 يناير التي ترفض الانفراد في عملية صنع القرار والهيمنة المطلقة في الحكم في غيبة كل الفرقاء السياسيين الآخرين. لمزيد من مقالات السيد يسين