ظلت تجارة المخدرات في أفغانستان, تشكل العمود الفقري لاقتصاد البلاد غير الرسمي, وظلت أرباح هذه التجارة تدخل في جيوب بعض المسئولين الرسميين, إنه أمر اعتادي مارسه طوال الوقت الحكام وكبار المسئولين الأفغان بلا خجل. في بلد تنتج اكثر من90% من أفيون العالم, ليحققوا ثراء فاحشا علي حساب شعب من أفقر شعوب العالم, ثم حدث أن امتدت ملامح هذا الثراء مؤخرا لتظهر أيضا علي قادة حركة طالبان, الذين تحولوا خلال العامين الماضيين فقط إلي لوردات مخدرات حقيقيين, يعلن بعضهم أن استغلال هذه الأموال في تسليح الجهاد يدخل في إطار أن الضرورات تبيح المحظورات. في السنوات القليلة الأخيرة بدأت أثار الثراء تظهر علي قادة طالبان, وانتقلوا من القري والأحياء الفقيرة, والمساكن شديدة البساطة والبدائية المبنية من الطوب اللبن, في اشتون اباد, الي مدن واحياء جديدة, في قلب المدن الأفغانية مثل كويتا التي قد يبدو عليها بعض من علامات الثراء, او انتقل بعضهم الي مدن اخري في كراتشيالباكستانية, مثل مدينة سهراب غوث, حيث تعيش النخبة الباكستانية, من رجال الأعمال والفنانين والسياسيين, وربما لا تعرف هذه النخبة الباكستانية, ان جيرانهم الجدد هم من قادة حركة طالبان, فهم يملكون مثلهم قصورا ذات أعمدة إغريقية مبهرجة, ونوافذ مضادة للرصاص, وأسوارها العالية تحوطها الأسلاك الشائكة, وراءها أسطول من أفخم السيارات واحدثها, انهم نسخة جديدة من الملا عمر زعيم الحركة المختفي, لكنهم فقط أكثر ثراء, وتباهيا. وفقا لتقرير نشرته مجلة نيوزويك مؤخرا, فان مصدر ثروات قادة طالبان المتباهين, هي بالتأكيد ليست سرا, فهي تأتي مباشرة من تجارة المخدارت, بعد ان عززت قيادات الحركة من تمويلها وتنظيمها وحمايتها لهذا التجارة, وقررت بشكل معلن انها تريد الدخول فيها الي جانب امراء الحرب السابقين لقوات تحالف الشمال, والمسئوليين الحكوميين الفاسدين ومنهم شقيق الرئيس الافغاني نفسه احمد والي كرازاي رئيس مجلس اقليم قندهار,كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز, ببساطة قرر قادة الحركة الجدد التعاون مع الحكومة في التجارة التي يمكنها ان تمول جميع الغايات ومنها الجهاد, وذلك وفقا لتقرير نشره مركز التعاون الدولي الأمريكي, حول الأمن والحكم وسياسة مكافحة والمخدارت في افغانستان. تاريخيا, كان لحركة طالبان, علاقات معقدة بتجارة المخدرات في افغانستان, وهو ليس سرا, فكما يقول محمد عبدلي, رئيس قوة مكافحة المخدرات في ولاية هلمند, والتي هي اكبر منتج للافيون في البلاد, ان اشرس قادة طالبان مثل اختار محمد منصور, والملا داد الله آخوند, كانا بالفعل اكبر تجار للمخدارت في الولاية في عام1994, وعندما انطلقت حركة طالبان في هذا الوقت نفسه, كانا أول من انضم إليها, علي رغم ان الملا محمد عمر, الذي قاد الحركة وحكم افغانستان من1996 وحتي2001 عند اختفائه عقب الغزو الامريكي للبلاد, كان قد حظر زراعة الأفيون والاتجار به في أواخر التسعينيات, وقال انها حرام شرعا, إلا ان العديد من قادة الحركة المحليين ظلوا يستخدمون صناعة الافيون, لا سيما في ولايتي هلمند وقندهار, لتمويل عمليات القتال المحلية في بداية الألفينيات, بل قدرت الحركة منذ ذلك الوقت ضريبة10% علي محاصيل الافيون, كانت تحصلها من المزارعين وذلك وفقا لتقرير مكتب الاممالمتحدة لمكافحة المخدارت والجريمة عام2009, والذي أكد أن هذه الضريبة قد ترجمت في حوالي44 مليون دولار في العام, ناهيك عن70 مليون دولار أخري حصلتها الحركة من تأمين قوافل تجار المخدرات التي تمر عبر أراضيهم. ووفقا الي رون مورو مراسل مجلة النيوزويك في افغانستانوباكستان طوال العقد الماضي, فإن شيئا ما قد تغير خلال العامين الماضيين في صناعة المخدارت الأفغانية, فكما لاحظ يبدو أن القيادة المركزية لطالبان أصبحت تلعب دورا محوريا في هذه الصناعة, انهم يسيطرون بشكل متزايد علي عملية الصناعة من المنبع الي المصب ويشجعون المزارعين علي زراعة الخشخاش, بتوفير القروض والبذور, ثم يشترون منهم المحصول, ويتم تكريره في شكل افيون وهيروين, ثم ينقلونه الي باكستان وايران, في الماضي كان قادة طالبان يكتفون فقط بتحصيل الضريبة, أما الآن فقد قسموا العمل بشكل منهجي, ووزعوا الأراضي التي يسيطرون عليها من اعلي لأسفل, حيث منحت الأراضي الأكثر إنتاجا إلي القيادات العليا والقيادات المقربة منهم في المناطق المحلية, ووفقا لآخر تقديرات مكتب الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات, فقد أصبح بإمكان أدني مركز قيادة محلي, أن يصل إلي200 مليون دولار سنويا من وراء هذه التجارة, حتي انه بسبب ثروات المخدرات الهائلة التي أصبحت تنهال علي رجال طالبان, قرر مجلس شوري الحركة في كويتا وضع آلية للتأكد من ان هذه الثروات, يتم توزيعها من أعلي إلي أسفل, بل وشكلت في العام الماضي لجنة اقتصادية لتقرير كيفية توزيع الثروات, حيث من المفترض ان تمنح اللجنة70% من الأرباح لتنفق علي الطعام والسلاح والرعاية الطبية للمقاتلين, في حين تنتقل30% من الارباح مباشرة الي القادة والمقاتلين, وهي بالتأكيد ليست قسمة عادلة. من جهة أخري, يري خبراء مكتب الأممالمتحدة, أن السبب وراء هذا الانغماس المكثف من قبل طالبان في تجارة المخدرات, يعود إلي جفاف منابع التمويل الخليجية للحركة في العامين الاخيرين, حيث اعتمدوا لسنوات علي تبرعات المواطنين المتعاطفين من دول الخليج لتمويل عملياتهم العسكرية, لكن مؤخرا يبدو أن أموال الأثرياء العرب قد تحولت الي مناطق أخري مثل تمويل الإسلاميين في مصر وسوريا وفلسطين, مما دفع الحركة للبحث عن مصادر تمويل اخري, هي في الواقع تحت ايديهم. لكن بعض المحللين المتخصصين في هذا المجال, يعتقدون أن السبب وراء هذا التورط المفضوح من قبل طالبان بالمخدرات, يعود ببساطة إلي أن القيادة المركزية للحركة, قررت انها تريد حصة مما يملكه القادة المحلين بالفعل, فمعظم ما تنتجه البلاد من الأفيون, يتركز في المناطق التي تسيطر عليها القيادات المحلية في الجنوب والجنوب الغربي, وهو يمثل98%, ووفقا لمحمد عبدلي, عندما اعتقل نائب الملا عمر وهو شقيق زوجته من قبل القوات الأمريكيةوالباكستانية في كراتشي عام2010, تنافس أثنين من أكبر نوابه علي المنصب, وهما أخطر محمد منصور وعبد القيوم ذاكر, وكلاهما كان يسيطر علي طرق تهريب المخدرات المربحة, والآن يعيشان في منازل جديدة فاخرة, ويتشاركان في تجارة المخدرات, لكن من حسم الصراع علي السلطة في الواقع لصالح منصور, هو سيطرة قبيلته الاكبر علي طرق ومعابر التجارة. وقد حقق أيضا رجال طالبان نجاحا في عمليات تحويل نبات الخشخاش الي مسحوق الهيروين, فوفقا لتقديرات مكتب الأممالمتحدة, أنشأوا نحو500 معمل للهيروين في البلاد, خاصة فيما بات يعرف بمختبرات طالبان في المناطق النائية في ولاية هلمند الشمالية, التي لا يمكن الوصول اليها من قبل قوات مكافحة المخدرات الأفغانية, وكما يقول عبدلي, فقط بامكان قوات العمليات الخاصة الأمريكية الوصول اليها, لكنها لا تهتم بالأمر, بل وتتردد الشائعات بان بعض افرادها قد تورطوا في الأمر, في الوقت الذي تؤكد فيه أن أولويتها هي تأمين البلاد وتدريب الجيش الأفغاني. ويري احمد ورور, مدير وحدة مكافحة المخدرات في ولاية هلمند, أن هناك تعاون غامض يتم ما بين طالبان وألد أعدائهم القدامي, من الأعضاء السابقين في قوات تحالف الشمال, التي كانت تدعهم الولاياتالمتحدة أثناء غزوها لأفغانستان عام2001, فخلال هذه الفترة عقدوا علاقات وطيدة مع طالبان, ثم فيما بعد اصبحوا نواة حكومة حميد كرازاي, خاصة في الشرطة وقوات الامن, وقد تورط العديد منهم في التجارة والتربح, وأدرك الجانبين أخيرا أن بامكانهم تنحية الخلافات السياسية وميراث الدم جانبا, والعمل معا لرفع ارباح المخدارت بقفزات جنونية, مين وصول المخدارت من باكستان وايران الي روسيا واوروبا, انه تعاون تجاري غير مكتوب لكنه ملزم...انهم يشكلون في نهاية المطاف ما بات يعرف باول دولة مخدارت فعلية في العالم.