ربما يبالغ البعض في تقدير الاثار المحتملة لاحتجاجات ميدان تقسيم علي مكانة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان, ومدي صلاحية التجربة التركية لان تكون مثالا لحكم اسلامي معتدل يرفض العنف والارهاب, ويحقق التواصل بين الاسلام وروح العصر, ويصلح لان يكون نموذجا لدول الشرق الاوسط, الا ان عناد اردوغان واعتداده الشديد بنفسه, ورفضه المطلق لاحتجاجات ميدان تقسيم التي انتشرت في اكثر من78 مدينة تركية يمكن ان تزيد النار اشتعالا, بعد ان توسعت حركة الاحتجاجات التي دخلت اسبوعها الثاني, يساندها اتحادات العمال والمهنيين, وجموع واسعة من اجيال تركيا الجديدة تعتقد ان اردوغان صادر حرياتها وحقوقها في حرية التعبير, وفئات عريضة من الطبقة الوسطي تخشي من تدخل اردوغان المتزايد لتغيير انماط حياتها, بعد ملاحظاته الاخيرة عن ضرورة ان تغير النساء التركيات انماط ملابسهن, وتحديد الانجاب بثلاثة اطفال واصداره قانونا جديدا يحرم شراء الخمور ما بين العاشرة صباحا والسادسة مساء. ورغم ان رئيس بلدية اسطنبول اعلن استعداده للتخلي عن اجزاء كبيرة من مشروع اردوغان لبناء سوق ضخمة في ميدان تقسيم, الا ان المعارضين في الميدان رفضوا هذا التنازل, مؤكدين اصرارهم علي ضرورة ان يستجيب الحكم لعدد من المطالب, رفعها الشباب الي نائب رئيس الوزراء التركي في عريضة تطالب بتوسيع الحريات العامة والخاصة, ووقف التدخل التركي في الشأن السوري وعدم الزج بتركيا في حروب اقليمية جديدة, الامر الذي رفضه اردوغان بصرامة وقوة. صحيح ان اردوغان يحظي بمساندة50 في المائة من الاتراك ينتمي غالبيتهم الي ريف الاناضول, والي الشرائح المحافظة الاكثر تمسكا بقيم الاسلام, لكن ذلك لا يعفي اردوغان من المسئولية تجاه نصف المجتمع الآخر الذي يستند الي طبقة وسطي واسعة تتبني مفاهيم الحداثة, وتري تركيا جزءا من المجتمع الاوروبي, وتعتقد ان سياسات اردوغان الاوتوقراطية لم تعد تلائم بلدا يصر علي حقه الديمقراطي, وتؤكد كل يوم اصرارها علي ضرورة ان يخلي اردوغان مكانه لحكم اكثر ديموقراطية, لا يتدخل في شئون الناس وحياتهم اليومية, ولا يحاول ان يفرض عليهم انماط حياتهم. لمزيد من مقالات مكرم محمد أحمد