بعد أن كانت واحدة من أكثر الدول الأوروبية والأسكندنافية هدوءا واستقرارا وأمانا, ونادرا ما يذكر أن بها أعمال شغب أو مشاكل من ذاك القبيل, جاءت أحداث العنف التي اجتاحت السويد واستمرت علي مدي7 أيام متتالية لتشوه صورتها كمجتمع مسالم متمسك بمبدأ المساواة، وليكشف عن حقيقة وجود قنبلة موقوتة اسمها المهاجرون مثل العديد من الدول الأوروبية المجاورة لها, ولتسلط الضوء علي الكبت الذي أدي بهم للانفجار, وتستيقظ علي غضب وحنق نتيجة لحكاية عنصرية ستقود السويد من الاستقرار إلي الانحدار وربما الانهيار. ففي الوقت الذي تستعد فيه السويد لحادث سعيد ألا وهو زفاف الأميرة مادلين( الثالثة في ترتيب ولاية العرش) الذي من المقرر إقامته في الثامن من الشهر الجاري, جاءت أحداث الشغب التي وقعت في أحياء يتركز بها المهاجرون وعلي رأسهم ضاحية' هاسبي' بالعاصمة ستوكهولم لتمتد تدريجيا خارج العاصمة بعد أن صحبتها مسيرات احتجاجية عنيفة يوم19 مايو الماضي وذلك عقب إطلاق احد أفراد الشرطة الرصاص علي رجل برتغالي الأصل يبلغ من العمر69 عاما أمام زوجته الفنلندية بحجة الدفاع عن النفس, الأمر الذي كان بمثابة الفتيل الذي أشعل نيران غضب المهاجرين مما أدي إلي تصاعد أحداث الشغب بدءا من إلقاء أفراد الشرطة بالحجارة وإضرام النيران في ما يقرب من150 سيارة وعدد من المدارس ومراكز الشرطة والمطاعم حتي اضطرت الشرطة إلي إخلاء السكان من البنايات التي شبت بها النيران, وأشارت أصابع الاتهام إلي تورط أكثر من300 من الشباب( تم القبض علي30 منهم في أحداث الشغب) جميعهم من المهاجرين, ومع اشتعال ابسط شرارة خرجوا ثائرين ليعبروا عن معاناتهم ومأساتهم. ويعود تاريخ بنايات ضاحية' هاسبي' التي بدأت أعمال العنف منها إلي ستينيات القرن الماضي حيث كانت جزءا من برنامج المليون مسكن الذي تبناه آنذاك الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم, والذي كان ينص علي بناء مليون منزل في أقل من عقد, وبعد أن كانت تلك المباني من أجمل مباني العاصمة السويدية, تحولت تدريجيا لمأوي لمدمني الكحول والمخدرات ومسكنا للمهاجرين ليتحول المشروع إلي سجون مقنعة لهم بهدف تهميشهم وإقصائهم, حيث إن85% من ساكني منطقة هاسبي هم من المهاجرين أي ما يقرب من12 ألف نسمة سواء ممن ولدوا خارج السويد أو ممن ولدوا بها ولكن من أبوين مهاجرين. فالسويد تعد واحدة من أكثر الدول الأوروبية استقبالا للاجئين وأكثرهم سهولة في إجراءات اللجوء, فهي تضم الآن أكثر من11 ألف لاجئ من سوريا منذ العام الماضي, بالإضافة لاستقبالها أكثر من100 ألف عراقي و40 ألف صومالي وعدد من الأفغان والأتراك علي مدي العقدين الماضيين, فالمهاجرون بها يمثلون نحو1.8 مليون من9.5 مليون نسمة أي حوالي15% من تعدادها السكاني, ولكن سكون المهاجرين علي تلك الأوضاع المتردية ما هو إلا حنق مدفون يزداد يوما بعد يوم مع استمرار معاناتهم من التهميش والإقصاء في أحياء لا تصلح إلا لمواطني الدرجة الثالثة, بالإضافة لعدم المساواة ومعاملة الشرطة معهم بعنف وسبهم بألفاظ عنصرية تشعرهم بالغربة, كما أن الهوة الثقافية بين المهاجرين وسكان البلد تزداد بسبب تواجد معظم المهاجرين باختيارهم أو رغما عنهم في ضواحي خاصة بهم, وهو الأمر الذي حذر منه وزير الاندماج السويدي الذي أرجع السبب الرئيسي في أعمال العنف للعزلة الاجتماعية للمهاجرين, بالإضافة لارتفاع نسبة البطالة بوتيرة سريعة في السويد بشكل عام وبينهم بشكل خاص, حيث إن أحدث البيانات الإحصائية الصادرة عن مكتب العمل في السويد أشارت إلي أن معدل البطالة وصل ل8% خلال مارس الماضي أي448 ألف شخص في حين أن نسبة البطالة في ستوكهولم فقط3%, كما يعاني عدد كبير من شباب المهاجرين من انخفاض المستوي التعليمي حيث إن35% منهم لم يكملوا دراستهم, ومن يعمل منهم يشكوا من انخفاض مستوي الدخل, كل هذا يعد دافعا قويا لاتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء مما يؤدي حتما لاندلاع أعمال الشغب.