إرتفعت درجة حرارة الجو لتصل إلى 40درجة فى الظل!!وكعادتى فى مثل تلك الأوقات الحارة،أحضرت كوبا من الأيس كريم بالمستكة بنكهة الفانيليا والفستق وشرعت فى إلتهامه. جلست أتابع أخبار الدنيا من حولى.وفجأة ظهرت على شاشات التليفزيون الروسى د. يلينا بونوماريوفا أستاذة العلوم السياسية بمعهد موسكو الحكومى للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية والخبيرة فى"الثورات الملونة" لتسلط الضوء على إستخدام الحرب النفسية فى التأثير على الثورات العربية!ووفق رؤيتها وأبحاثها وما جمعته بلادها من معلومات فإن الثورات العربية تمت"بفعل فاعل"وهو الغرب ووسائل الحرب النفسية التى برع فى إستخدامها لإثارة الجماهير! فوفق رؤية د.بونوماريوفا لم تشتعل الثورات العربية فى ظل وضع لا تحتمله الطبقات الدنيا ،أوفشل الحاكم فى إدارة البلاد.كما أنها لم تشتعل فى ظل تفاقم الأحوال الإجتماعية بصورة لاتطاق بل أن الناس عاشوا فى ظروف "ملائمة" مقارنة بالظروف التى تعانى فيها البلاد حاليا مثل ليبيا وسوريا واليمن التى تشهد حالة إنفلات أمنى واضح يقترب من مرحلة الحرب الأهلية ،أو يمر بها مثل سوريا!! والأهم من كل ماسبق هو إنعدام الفكر الجديد،وكل ماتحمله الثورات هو مجرد إعادة إنتاج للأيديولوجيات والمناهج القديمة. إذا فماذا حدث؟والإجابة كما جاءت على لسان الخبيرة الروسية تؤكد أن الأسباب المنطقية للغضب الشعبى كانت موجودة مثل السخط على الفساد وكبت الحريات وكانت تلك المشاعر موجودة لدى الجماهير منذ سنوات سابقة ولم يطرأ جديد أما ما حدث ودفع بالجماهير إلى الطرقات وإلى حمل السلاح فى لبيبا واليمن وسوريا مثلا فكان "الزج بمطالب إضافية خارجية مخططة"إلى جانب المطالب الموضوعية للشعوب العربية صاحبة الثورات. فقد تعرضت الجماهير العربية لعملية "غسيل دماغ"بإستخدام وسائل تكنولوجيا الإتصالات الجديدة(مثل شبكة الإنترنت وفيسبوك وتويتر والرسائل القصيرة على التليفونات المحمولة)حيث تم توجيهها لتعبئة الرأى العام والتأثير على الوعى الجماهيرى،هذا بالإضافة إلى البرامج التثقيفية والتعليمية المختلفة التى روج لها الغرب على مدى السنوات العشر الأخيرة. فقد تم التخطيط "لإثارة الجماهير"العربية وتوليد حالة "حساسية مفرطة"تجاه المشاكل والأوضاع القائمة.ولجأت وسائل الإعلام فى البداية إلى خلط المعطيات والوقائع والتلاعب فى تفسير الأحداث التى جرت هنا أو هناك ،وتم نشر معطيات تحريضية فى وقت وزمن محدد. فعلى سبيل المثال وفور نشر أنباء قيام الشاب التونسى البوعزيزى بحرق نفسه فى ديسمبر 2010 سارع موقع ويكيليكس،"الذى يدعى الإستقلالية"،إلى بث معلومات حول الفساد فى أوساط حاشية الرئيس التونسى المخلوع بن على.ومن الطبيعى أن يؤدى هذا الحشد المعلوماتى إلى حشر الجمهور فى زاوية الإستياء والنفور وصب جام غضبهم على حاشية بن على وعائلته وتحميلهم بمسئولية حرق الشاب الفقير لنفسه.وفى سوريا وليبيا مصر تم تسريب بيانات غير دقيقة عن ثروات الرؤساء وأسرهم. وعن كيفية التوصل إلى تلك المعلومات أكدت الخبيرة الروسية أن بلادها تابعت جهود الحرب النفسية التى بذلتها الولاياتالمتحدة لإسقاط الإتحاد السوفيتى السابق وتفتيته إلى جمهوريات فى بداية التسعينيات من القرن العشرين. فورش "التفكير" أو"الفكر"الأمريكية،هى شبكة واسعة من مراكز ومعاهد البحث تخصصت فى وضع آليات ووسائل للتأثير النفسى. فعلى سبيل المثال تخصصت مؤسسة "ترند كوربوريشن"فى دراسة سبل تحريض السكان فى بلد ما على التشكيك فى تاريخ بلادهم والسخرية من مثلهم العليا وأبطالهم الوطنيين والشخصيات التاريخية.وهذه الآليات تم إستخدامها بنجاح ضد السوفيت. ويشير الخبراء الروس المعنيون إلى وجود أكثر من ألف ورشة فكر فى الولاياتالمتحدة ولكل منها مهماتها فى دراسة وتحليل حيز ما مثل فضاء الإنترنت فى روسيا أو تونس أو ليبيا ..الخ.وتستهدف تلك الورش عدة شرائح داخل الدول المستهدفة تتمثل فى المعارضة ،والشباب ،وشريحة النساء،والعسكريين. وحتى تنجح الشعوب فى مواجهة وإبطال مفعول العمليات الخارجية المتخصصة فى "غسل الدماغ" فعليها أن تكافح الفساد والتضييق على تهريب الأموال المسروقة للخارج والإهتمام بتربية الأطفال والشباب فى رياض الأطفال والمدارس وتوجيه رسائل عبر وسائل الإعلام المختلفة لزراعة" حب الوطن"فى وعى الجميع. دارت تلك الكلمات فى ذهنى وأنا أنتهى من تناول الأيس كريم.فنحيت الكوب جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت.