يقول كثيرون إن مصر من حيث الجغرافيا افريقية ومن حيث التاريخ آسيوية حيث إن كل الأحداث المهمة جاءت عبر حدودها الشرقية( شبه جزيرة سيناء). وفي العصر الحديث كانت شبه جزيرة سيناء أرضا للمواجهة مع العدو الصهيوني ابتداء من الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام1984 مرورا بالعدوان الثلاثي1956 ثم نكسة1967 التي احتلت فيها سيناء بالكامل وانتهاء بنصر اكتوبر عام1973 الذي كان بداية لتحرير سيناء. وجاءت اتفاقية السلام لتعود سيناء منقوصة السيادة, حيث ووفقا لبنود المعاهدة لايجوز للقوات المسلحة المصرية أن تتواجد إلا في الجزء الشرقي لقناة السويس دون تواجد حقيقي في أكثر من ثلثي شبه الجزيرة, وبهذا المفهوم انتجت المعاهدة انكشافا أمنيا واضحا أدي الي تواجد بعض الحركات التي قامت بعمليات إرهابية امتدت من العهد السابق( تفجيرات طابا, الاعتداءات علي السياح), واستمرت في اثناء وبعد ثوره25 يناير,(تفجيرات انبوب الغاز, استشهاد16 من جنود مصر في شهر رمضان الماضي), وكانت أحدث حلقة في هذه السلسلة الارهابية اختطاف سبعة من الجنود المصريين. وبهذه الصفة المصرية كان متوقعا ان تتكاتف كل القوي المصرية السياسية منها والاجتماعية وان تقف صفا واحدا مساندة للقيادة المصرية في سعيها الدؤوب لاستعاده الجنود المختطفين مع الحفاظ علي هيبة الدولة, لكن وللأسف الشديد وجدنا مجموعة من الاحزاب والقوي السياسية تستثمر الحدث لإحراج السلطه القائمة, بل إن بعضا منها رفض وبشدة دعوة السيد الرئيس للتباحث في هذا الشأن الوطني مفضلين ان ينأوا بانفسهم وان يبقوا معاندين لا مساندين. عكس ذلك تماما يحدث في الدول الديمقراطية حيث توقف الاحزاب منافساتها حتي وهي علي ابواب الانتخابات لتتكاتف وتتساند لمواجهة اي حادث طارئ. مثال ذلك ما حدث في الولاياتالمتحدةالامريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين اثناء الاعصار الذي ضرب شرق البلاد في ذروة الانتخابات الرئاسية, لكن مناخ الاستقطاب السائد علي ساحتنا المصرية جعل حتي السياسيين الكبار( إن كانوا كبارا) ينظرون الي الحدث بعيون حزبية ضيقة رافضين المشاركة في ابداء أي تصور للحل والخروج من الأزمة فضلا عن المشاركة وتحمل المسئولية التي هي وطنية بامتياز ويثير توقيت هذا الحدث علامات استفهام كثيرة فهو يأتي مواكبا لحملات منظمة يقوم بها المعارضون لرئيس الجمهورية من ساسة وقضاة وقوي حزبية وشبابية لهم مآرب شتي بعضها يسعي إلي التعويق وبعضها يدعو الي انتخابات رئاسية مبكرة, واستمر كل هؤلاء في انشطتهم وحملاتهم وكأن حادثا جللا لم يطرأ علي البلاد. ويبقي سؤال يحتاج الي إجابة عن مدي صلة توقيت هذا الحادث بالإعلان عن مشروع تنمية قناة السويس, فهل المقصود هو لفت الأنظاربعيدا عن قيمة هذا المشروع وإلهاء المصريين عنه مع إغراقهم في غم وهم من أجل أبنائهم المختطفين ؟.وكذلك تظهر علامات استفهام كثيرة عن توقيته بعد إعلان وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة عن مساندة الشرعية وعدم استجابته للدخول في أي معترك سياسي مع الحفاظ علي قوة القوات المسلحة التي ملك للشعب المصري بنص الدستور. وهل لتوقيت هذا الحادث صلة بالحملات التي تدعو الي الخروج علي رئيس الجمهورية يوم30 يونيو رغم انعدام دستورية وقانونية هذا الطرح?. إنها أسئلة كثيرة لها منطق لكن ليس لها إجابات واضحة. إن احتمالات الحل كانت تنحصر في سيناريوهات ثلاثة, أولها التفاوض مع الخاطفين وتحقيق بعض مطالبهم ويعد ذلك انتقاصا لهيبة الدولة وقوتها, وقد أعلن رئيس الجمهورية ان هذا أمر مستبعد تماما. أما ثاني الاحتمالات فهو عملية عسكريه شديدة الوطأة يسقط فيها ضحايا كثيرون من الخاطفين والمختطفين وهو اختيار مر المذاق يرفضه معظم المصريين. وهذان الاحتمالان كانت تنتظرهما بعض رموز المعارضة كي تصعد من حملاتها فيزداد الانقسام والاستقطاب. أما الاحتمال الثالث أن تقوم وحدة من العمليات الخاصة بحرفيتها المعهودة كي تحرر المختطفين وتلقي القبض علي الخاطفين ليمثلوا أمام العدالة لينال كل مجرم جزاءه, لكن جاء تحرير الجنود بحكمة دون إراقة دماء يمثل إنجازا لأجهزة الدولة خاصة الرئاسة والمؤسسة العسكرية. لمزيد من مقالات د.حلمى الجزار