مازال الوطن في حاجة إلي عقل مستنير يتفتح علي جوانب الحياة المتعددة, ولن يتحقق ذلك إلا بمراجعة الوسائل التي تسهم في صياغة العقل والوجدان, فالمعضلات التي يتعرض لها الوطن ستظل قائمة مادمنا لا نقترب منها ونعالجها في إطارها الموضوعي, وندير حوارا مستنيرا حولها, ولعل ما حدث في الخصوص يدل علي غياب العقل, وسيادة الجهل, وهو نتاج لعقل متخلف أضحي هو المحرك للأهواء, مع أننا لو أعلينا مبدأ المواطنة واعتبرناه رمانة الميزان, لأدي إلي تحقيق العدالة والمساواة, ومن يتجاوز يحاكم بالقانون دون مراعاة لشيء سوي سلامة الوطن, وقتها ستختفي الفتن, وينزوي المغرضون. وفي ظل غلبة دينية انطلقت آراء وفتاوي حول التهنئة بالأعياد المسيحية تدل علي غيبة العقل الديني المستنير, فلقد اختلفت الفتوي بين النظام السابق واللاحق, وكأن الرأي الديني يرتبط بالحاكم والتوجه السائد, حيث أفتي أستاذ بالأزهر أيام النظام السابق بأن تهنئة المسيحيين لا تتعارض مع الإسلام الذي يدعو إلي التآلف واحترام الأديان ومشاركة الاخوة في الوطن احتفالاتهم, وذلك مدعاة إلي الوحدة واحترام الآخر, وإذا كان الإسلام يبيح الزواج منهم فتقديم التهنئة واجب للأخوال, والأبناء والخالات!! وهو ما يعلي من قيمة النسب, ويعلي أيضا من درجة الجيرة, والمشاركة المجتمعية. وفي ظل التغيير السياسي والتوجه الديني السائد أعلن الأستاذ نفسه اعتراضه علي التهنئة, ودعا المسلمين إلي الامتناع عن تهنئة اخوتهم المسيحيين بأعيادهم, وهو تناقض واضح في الموقف يبتعد عن سماحة الإسلام, ومراعاة الأخوة الوطنية, والآيات القرآنية, والأحاديث النبوية في هذا المجال كثيرة, ومواقف الرسول من أصحاب الديانات الأخري واحترامهم وتقديرهم وتيسير معتقداتهم, أمر مرصود ومتواتر, لكنه التعصب للرأي, والركون إلي أقوال أحادية توقف العقل عن ممارسة دوره فكرا, وتنويرا, وحوارا مستنيرا, فالحوار هو الملاذ للخروج من الفتن. والأمر لا يرتبط بأعياد الديانات الأخري, بل يتسع ليشمل المناسبات الدينية الإسلامية كالمولد النبوي والعيدين, إن غياب الحوار المستنير مدعاة للفتن والخلاف. الأديب محمد قطب