قامت الطائرات الإسرائيلية بثلاث غارات جوية علي مدي يومين علي مواقع عسكرية سورية في ضواحي دمشق, ومواقع فوق جبل قايسون المطل علي القصر الجمهوري السوري. ومن الواضح أن الغارات الإسرائيلية فاجأت القيادة السورية فلم يتم اتخاذ أي إجراءات دفاعية أو مواجهتها, الأمر الذي يرجح الاحتمالات التالية: أولا, أن يكون لدي إسرائيل قدرات متطورة أمكنتها من تحييد أنظمة الرادارات السورية الأكثر كثافة في المحاور المحيطة بدمشق, وكذلك منظومة الدفاع الجوية السورية في تلك المناطق. وثانيا, نجاح فصائل المعارضة العسكرية السورية في تدمير بعض مواقع الرادارات والدفاع الجوي في مناطق ريف دمشق التي تشهد معارك عسكرية متواصلة منذ عدة أشهر. وثالثا, أن طول المواجهة العسكرية بين قوات النظام السوري والمعارضة قد أدت لنوع من الارتباك والانشغال, سواء لرئاسة الأركان أو قادة الفرق الرئيسية, وأنهما انشغلا في معارك مع المعارضة علي حساب الانتباه للتحركات العسكرية الإسرائيلية. وفي الحقيقة, فإنه لا يمكن أن نفصل هذه الغارات الإسرائيلية علي دمشق عن التطورات والإجراءات الإسرائيلية العسكرية والتي لم تلفت نظر القيادة العسكرية والسياسية السورية والمنشغلة عنها بالداخل, خصوصا المناورات المفاجئة للجيش الإسرائيلي في المنطقة الشمالية قرب الحدود مع لبنان وسوريا الأسبوع الماضي التي تم خلالها استدعاء وحدة احتياط كاملة لأول مرة للمشاركة في مناورة خاصة باحتمال تعرض شمال إسرائيل لهجوم صاروخي مفاجئ, أو تدهور الأوضاع علي الحدود مع سوريا وحزب الله, فضلا عما أثارته إسرائيل أخيرا خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي لتل أبيب من مخاوف حول وجود ترتيبات إيرانية سورية لإمداد حزب الله بأسلحة وصواريخ أكثر تطورا, وما يقوم به حزب الله من تحصينات جديدة للقري الحدودية اللبنانية استعدادا لمواجهة أي عمليات عسكرية إسرائيلية, وذلك بالإضافة للتهديدات الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي باقتحام غزة إذا ما واصلت منظمات المقاومة خاصة حركة الجهاد الإسلامي تهريب الصواريخ المتطورة إلي القطاع, وقد جاءت الغارات الإسرائيلية علي هذا النحو لتضيف بعدا جديدا للأزمة السورية, والتي تكشف عن عدد من الاعتبارات: أن إسرائيل ليست بعيدة عن تطورات الأزمة السورية, وأنها تراقب تطوراتها بدقة وجدية بالغة, وتؤكد مصادر صحفية أمريكية وأوروبية أن خلايا ومجموعات تابعة للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية, وبالتنسيق مع المخابرات الأردنية موجودة منذ فترة داخل الأراضي السورية لهدفين هما: مراقبة كل ما يتعلق بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية, أو احتمال تحريكها أو نقلها لحزب الله واستخدامها وكذلك ما يتعلق بالصواريخ أرض أرض, وأرض جو الاستراتيجية, وكذلك مراقبة إمكانية قيام تنظيمات جهادية بالسعي للوصول إليها, أو السيطرة علي مواقعها, وهو ما يمكن أن يهدد الأمن الإسرائيلي في النهاية. ولا شك أن الغارات الإسرائيلية حسب المصادر الإسرائيلية قد تضمنت رسالة واضحة للنظام السوري حول الخطوط الحمراء الإسرائيلية في هذا الخصوص, وأن التدخل الإسرائيلي لن يتجاوز هذا المستوي, أو الدخول في الأزمة لصالح المعارضة وأن موقفها يرتبط بحسابات الأمن القومي الإسرائيلي, وربطت المصادر الإسرائيلية هذه الغارات, وكذلك الغارات التي سبقتها منذ عدة أسابيع بوجود قوات لحزب الله وتمركزها في مناطق قريبة من هذه الأهداف, وهو ما اعتبرته إسرائيل عملا يخل بمعادلة التوازن مع سوريا ويتطلب التدخل. الواقع أن الدخول العلني لحزب الله وتصريحات السيد حسن نصر الله بأن الحزب لن يسمح بسقوط النظام السوري, وتصريحات المسئولين في الحرس الثوري منذ أسابيع بأن الأمن الإيراني يمتد إلي شرق المتوسط يكشف عن مدي تفاعل الأزمة السورية مع ملفات تعتبرها إسرائيل مهددة لأمنها القومي بصورة مباشرة, وأن حضور حزب الله والوجود الإيراني المكثف في سوريا متغير جديد يتطلب مواجهته, ولا شك أن المتغير الإقليمي والدولي صار فاعلا في الأزمة السورية, بحيث تحولت سوريا إلي ساحة إقليمية ودولية مفتوحة لكل الأطراف, ويدعم هذا الانقسام الواضح للمعارضة بشقيها السياسي والعسكري. ومن الواضح أن قمة بوتين أوباما القادمة سوف تكون مجالا للبحث عن تفاهم أمريكي روسي بهذا الخصوص, خاصة إذا ما تم التوصل لصيغة تكفل استيعاب المطالب الروسية التي تركز علي ألا تتحول سوريا لليبيا أخري, وإلا يصبح الشرق الأوسط بالكامل دولا إسلامية, وألا تفقد آخر مواقعها في الشرق الأوسط. كما أن التداعيات المرجحة للأزمة السورية وتفاعلاتها الأخيرة تؤكد أن سوريا تتجه بشدة لحرب مذهبية, وأن الولاياتالمتحدة وإسرائيل تسعي لاستثمار تطورات الأزمة في إطار المواجهة مع إيران لتحقيق مزيد من الانشغال الإيراني واستنزاف حزب الله وقطع الأذرع الإيرانية في المنطقة لافتقادها الكثير من أوراق المساومة في ملف البرنامج النووي. المشهد الحالي في الأزمة السورية علي النحو السابق يؤكد أن الموقف الأمريكي والغربي والإسرائيلي يراهن علي استمرارها دون قلق بغض النظر عن دعاوي الاعتبارات الإنسانية, وما تعلنه تلك الدول من قلق لنزيف الدماء. كما أنه من الأهداف الاستراتيجية لهذه الأطراف محاولة جذب مجموعات وفصائل التطرف إلي سوريا لاستنزاف قدرتها وحصارها داخل حدود سوريا بعيدا عن تهديد المصالح الأمريكية والغربية, وعدم الضغط علي النظام بالدرجة التي تسمح لهذه الفصائل بالسيطرة علي سوريا, أو تنسحب الأزمة في النهاية علي حلفاء أمريكا في المنطقة, كما تولي الولاياتالمتحدة القلق علي لبنان والأردن, ومن المرجح أن يتواصل هذا الموقف ما لم تحدث تغييرات مفاجئة في الوضع العسكري انتظارا لعدد من الاستحقاقات ذات الأهمية, خاصة الانتخابات الرئاسية الإيرانية, وطرح الولاياتالمتحدة لمبادرة تسوية الصراع العربي الإسرائيلي تراهن خلالها واشنطن علي حدوث مرونة في موقف حماس. وهكذا, فإن الأزمة السورية بهذا الشكل أصبحت مفتوحة علي عدد من الملفات الإقليمية, التي تؤكد أن الوضع لم يحن لحسمها, والمهم أن إسرائيل أصبحت طرفا أصيلا مهما. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات