تحمل أيام الامتحانات معها التوتر والاضطراب والأزمات الأسرية وتقوم الأسرة بمنع التليفزيون والتليفون وسحب المحمول, وحجب الكمبيوتر والزيارات والأصحاب, ويصاحب ذلك ايضا الاختلاف في عدد ساعات المذاكرة والأهتمام بالامتحانات...فما هي الأسباب وما هو دور الأسرة والطالب ايضا للتغلب علي هذا الشعور.. يقول د.محمد المهدي رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر بدمياط انه علي الرغم من أن قلق الامتحانات ظاهرة عامة تصيب كل الأسر تقريبا بدرجات مختلفة, وربما يعتبر القلق بدرجاته المقبولة حافزا للدراسة والإجادة, إلا أنه في بعض الأحيان يتجاوز هذه الحدود المفيدة ويصبح عائقا أمام عملية التعلم ويؤثر تأثيرا شديدا علي الأداء في الامتحانات, فنجد بعض الطلاب المتميزون يضعف أداؤهم في الامتحانات بسبب هذا القلق رغم أنهم يكونون قد بذلوا جهودا هائلة في المذاكرة طوال العام, ونجد آخرون لا يهتمون بموعد الامتحان... والقلق هنا ليس قاصرا علي الطلاب فقط بل يشمل ايضا الآباء والأمهات وربما يكون الأخيران هما احد مصادر القلق المهمة لدي أبنائهم دون أن يدروا. ودور الأسرة هنا في التوازن والتشجيع علي المذاكرة, والاستعداد للامتحانات, وفي نفس الوقت ممارسة الحياة الطبيعية الحياتية, في النوم والطعام و الحديث و الترفيه و الراحة دون طوارئ. فليس هدفنا هو إزالة قلق الامتحانات, فقد ثبت انه مفيد في درجاته المعقولة, ولكن الهدف هو تخفيض حدته وتعلم مهارات السيطرة عليه حين يتجاوز حدوده المفيده, فالقلق يمكن ان يكون إما اشارة تحذير لحل مشاكل تتطلب المواجهة, اوتشويش للعقل وتعطيل لملكاته. ويشير د.محمد الي انه لكي نتغلب علي الشعور بالقلق علينا ان نعرف ما هي اعراضه, فهي تنقسم إلي أعراض نفسية, جسمانية و اعراض يطلق عليها علماء النفس تفادي وسلوكيات تعويض.. فالأعراض النفسية هي التوتر, الانزعاج لأسباب بسيطة, افكار سلبية حول الذات( الشعور بالدونية وبعدم القدرة علي تحقيق النتائج), توقعات سيئة للمستقبل, الشعور بعدم الارتياح, الشعور بالخوف والترقب, الشعور بزيادة الضغوط وتراكم المسئوليات وعدم القدرة علي الاحتمال, سرعة الاستثارة, العصبية, الرغبة في الصراخ, الشعور بأن العقل في حالة تسارع متزايد أو في حالة تجمد. اما الأعراض الجسمانية فهي تتمثل في الشعور بالتعب والإرهاق, الصداع, شد في العضلات, اضطرابات في البطن, غثيان, قيء, الدوخة, سرعة التنفس, الإحساس بالاختناق, سرعة ضربات القلب, رعشة وبروده في الأطراف, زيادة إفراز العرق, الإحساس بالسخونة أو البرودة الزائدة. وأما العرض الثالث فيتمثل في عدم الذهاب للمدرسة, الاعتذار عن مواعيد الدروس الخصوصية أو التهرب منها, الخوف من المواجهة, الخوف من دخول الامتحانات والرغبة في تأجيلها, كثرة النوم ليلا ونهارا, محاولة الانشغال بأشياء اخري( مشاهدة التليفزيون, قراءة القصص والمجلات, الخروج مع الاصدقاء). ويؤثر القلق علي عمليات التسجيل والتخزين والاسترجاع, وبالتالي فهو يؤثر علي كفاءة هذه العمليات الثلاث, لذلك حين نكون قلقين نشعر بأننا لانستطيع التركيز ولانستطيع الاحتفاظ بالمعلومات الواردة للمخ ولا نستطيع استعادة المعلومات المختزنة. وبما أن التفكير عملية معقدة تحتاج لقدرات عقلية متعدده فإن القلق يؤثر كثيرا في القدرة علي التفكير السليم لذلك يمكن ان تحدث حالة تسارع للتفكير دون سيطرة, أو تحدث حالة انغلاق وتوقف. كما تظهر ايضا اعراض القلق لدي بعض الطلاب الذين يبذلون جهدا كافيا في المذاكرة, ولكنهم في بعض الأوقات وخاصة قبل الامتحان بأيام قليلة أو اثناء الامتحان يشعرون وكأن عقلهم اصبح فارغا تماما من المعلومات, وهذا يؤدي الي حالة من الانزعاج وبعضهم ينظر إلي ورقة الأسئلة وكأنها مكتوبة بلغة لا يفهمها, وتحدث حالة من فقد الذاكرة المؤقت وانغلاق التفكير. هذه الحالة التي قد تحدث لغالبية الطلاب هي نتيجة لدرجة عالية من القلق, وهي شعور كاذب بفقد الذاكرة وفقد القدرة علي التفكير, ويكفي الشخص ان يجلس لبعض الوقت ويحاول استعادة هدوئه وسوف يجد أن باب الذاكرة ينفتح بالتدريج وانه اصبح قادرا علي قراءة بعض الاسئلة, واصبح قادرا علي استرجاع المعلومات الخاصة بها شيئا فشيئا, فالأسئلة نفسها تعتبر مفاتيح للذاكرة المختزنة. وأحد اسباب هذه الظاهرة ايضا هو ان الطالب يحاول قبل الامتحان بأيام ان يتذكر المادة أو المواد التي درسها دفعة واحدة فيعجز العقل عن ذلك فالعقل لايستطيع ان يعمل بهذا الشكل, ولكنه قادر علي التعامل مع مفاتيح معينة بشكل مبسط ومحدد, ولذلك فالطالب الذي كان يشعر بفقد كل المعلومات قبل الامتحان بأيام قليلة يصبح قادرا علي التذكر حين يجلس في لجنة الامتحان ويتناول ورقة الاسئلة, حيث تعتبر الاسئلة هنا مفاتيح نوعية لأبواب الذاكرة المختزنة. والسبب الأخير هو أن بعض الطلاب حين يقرأون موضوعا يعتقدون انهم قد فهموا المقصود منه, ولكن هذا الفهم وحده غير كاف لتذكر الموضوع وكتابته في الامتحان لذلك لابد من محاولة الاسترجاع( التسميع) اثناء المذاكرة وذلك بغلق الكتاب ومحاولة استعادة النقاط الأساسية في الموضوع واستعادة التفاصيل المتضمنه في هذه النقاط, وبذلك نتأكد أن الموضوع قد تم حفظه في الذاكرة فعلا( والمثال المقابل لذلك هو الشخص الذي يجلس امام الكمبيوتر لساعات طويلة يقرأ ويشاهد اشياء كثيرة, ولكن لن يتبقي علي الكمبيوتر بعد إغلاقه إلا ماقد تم إعطاء الأمر بحفظه). وللتغلب علي الشعور بالقلق ينصح الدكتور ببعض النصائح العامه للأسرة منها مراعاة الحالة النفسية امر مهم جدا, ومراعاة فترات النوم الطبيعي, والابتعاد عن المراجعة قبل الامتحان مباشرة بزعم أنها نافعة, وهي في الحقيقة تقلل التركيز وتتعب الأعصاب, ميل الأبناء إلي الاعتماد علي الآخرين وهذا هو العدو الأول في أيام الامتحانات, لأن المواجهة الحقيقية تكون في اعتمادهم علي أنفسهم. ولاننسي مراعاة النضج العقلي والعاطفي والزمني لأعمار الأبناء, كل ذلك يحتاج منا إلي الحيل التربوية بما يتوافق مع هذه السن المبكرة, ومراعاة الظروف النفسية, والاهتمام بالتغذية الصحيحة, وليس كما تلجأ أغلب الأسر إلي الانفعال فقط! اما دورالطلاب فعليهم بالاهتمام بإعداد انفسهم جيدا للامتحان من أول السنة الدراسية.والتعامل مع الامتحان بثقة والنظر اليه علي انه فرصة لإظهار الجهد والتعب طوال العام, المحافظة علي نمط حياة صحي وذلك بأخذ قسط كافي من النوم, مع تناول غذاء متكامل وممارسة الرياضة البدنية, وايضا بعض الهوايات الشخصية المحببة, تجنب تناول أي منبهات في المساء ليلة الامتحان وذلك للحصول علي نوم هاديء وتجنب ايضا تناول المهدئات والمنومات( إلا باستشارة طبيب متخصص في الطب النفسي) حيث ان بعضهم قد يؤثر علي الذاكرة والتركيز, كما يجب ايضا عدم الذهاب إلي الامتحان بدون تناول الافطار علي ان يكون خفيفا ومناسبا. وأخيرا تعتبر مهارات الاسترخاء شيئا اساسيا للتعامل مع ضغوط المذاكرة والامتحانات, فمن خلال الاسترخاء نتعلم كيفية التخلص من التوتر وكيفية تهدئة ايقاع النفس والجسم. وان لم تفلح كل هذه المحاولات في تخفيض درجة القلق, ووجدت انه يؤثر كثيرا في ذاكرتك وقدرتك علي التفكير فلا مانع من استشاره الطبيب النفسي.