تجسد حياة المسلمين في جنوب افريقيا قصة من قصص النضال والنجاح التاريخي العظيم لأقلية من الناس عاشت في ارض يقطنها غالبية من البشر المختلفين معهم فكريا وعقائديا. وتعد الأقلية المسلمة في جنوب افريقيا من اقوي الأقليات الاسلامية في العالم ان لم تكن اقواهم,, ولدخول الاسلام في جنوب افريقيا قصة عجيبة تظهر كيف ان الله يخرج لناالخير مما قدنراه شرا.. فالبدايات الحقيقية لظهور الاسلام في جنوب افريقيا تعود لعام1652 عندما اخذ الاحتلال الهولندي يفرض سيطرته علي جزر اندونيسيا والملايو, وقام المسلمون في هذه المناطق بمقاومة الاحتلال, فما كان من الاحتلال الا ان قبض علي الكثير منزعماء المقاومة ونفاهم الي جنوب افريقيا, وكان من بين المنفيين الشيخ يوسف شقيق ملك جاوة ومعه49 من المسلمين, فكان هذا اول قدوم حقيقي للاسلام الي هذه البلاد, ويقول الدكتور عبدالسلام جاد بسيوني رئيس اتحاد الجاليات العربية والإسلامية في جنوب إفريقيا ورئيس مركز التوحيد الإسلامي إن الشيخ يوسف والمسلمين معهقاموا بدور كبير في نشر الاسلام في كيب تاون واسسوا اول مسجد بجنوب افريقيا.. وبعد ذلك الحدثبحوالي مائتي عام اخري, حل الاحتلال البريطاني مكان الاحتلال الهولندي لجنوب افريقيا وحدث اناستقدم البريطانيون من الهند اعداد كبيرة من المسلمين الهنود للعمل( سخرة)في مزارع القصب ومناجم الفحمبمنطقة كوازلو نتال بجنوب افريقيا, ويؤكد الدكتور بسيوني إن ذلك قد شكل الدفعة الثانية من المسلمين في جنوب افريقيا, الذين بدأوا يتزايدون بشكل ملحوظ وبدأ الاسلام ينتقل منهم الي الافارقة سكان البلاد الاصليين, حتي وصل عدد المسلمين في جنوب افريقيا الي حوالي4 مليون نسمة من تعداد سكان البلاد البالغ50 مليون. ولعل اهم ما ميز المسلمون في جنوب افريقيا هو اندماجهم الواضح في المجتمع ومقاومتهم لنظام الفصل العنصري جنبا الي جنب مع الافارقة سكان البلاد الاصليين, ويشير الدكتور بسيوني إن نظام الفصل العنصري قام بتصنيف المسلمين في مرتبة اقل من البيض الأوربيين الذين قطنوا جنوب افريقيا وشكلوا حوالي10 مليون نسمة من سكانها, وقد بني نظام الفصل العنصري للمسلمين مدنا وبلدات منعزلة بجوار نفس مدن الافارقة, ويؤكد أن رب ضارة نافعة, فلقد ساعد ذلك في نشر الاسلام بين الافارقة كما ساعد علي ايجاد حالة من القرب والتضامن بين المسلمين وسكان البلاد الاصليين. ويضيف الدكتور عبد السلام بسيوني أن التاريخ يذكر ان المسلمين كان لهم باع كبير في مقاومة ذلك النظام العنصري حتي سقط تماما في عام1994, لكن الافارقة لم ينسوا للمسلمين نضالهم, فصاروا في نفس القارب معهم ودخل منهم الكثير في السياسة كما شاركوا في الحزب الحاكم حتي انك لتري الان اسماء شوارع كبري في جنوب افريقيا باسماء مسلمين وتري ايضا من بين المسلمين وزراء ومحافظين ومسؤلين كبار في الدولة... كما اعطي للمسلمين الحرية في انشاء مدارسهم وجامعاتهم وهيئاتهم المستقلة مما حافظ علي الهوية الاسلامية للمسلمين. والحقيقة أنالمسلمين في جنوب افريقيا تمكنوا من بناء عدد كبير من المساجد التي تصل لأكثر من2000 مسجد, وانك لتصيبك الدهشة حين تأتي لجنوب افريقيا فتري المساجد الفخمة والشاهقة واقفة بين البنايات يتعالي منها صوت الاذان عبر مكبرات الصوت خارقا هدوء المكان خمس مرات في اليوم, كما انشأ المسلمون ايضا اكثر من مائة مدرسة اسلامية معترف بها من الحكومة تعني بتعليم المسلمين العلوم الدينية والعصرية ويتخرج منها الطالب ليلتحق بالجامعات الجنوب افريقية هذا بالاضافة اليانشاء دور العلوم الاسلامية التي هي بمثابة معاهد اسلامية علي نسق الازهر الشريف في مصر تكون فيها الدراسة مركزة في علوم الدين ويتميز المسلمون في جنوب افريقيا بالطيبة والسخاء وايضا الغني خاصة في منطقة جوهانسبرغفغالب المسلمون يعملون في التجارة. ويؤكد الدكتور بسيوني انه لولا تبرعات المسلمين في جنوب افريقيا وجهدهم وحبهم للعمل الخيري ما كان للأقلية المسلمة ان تنجز وتحافظ علي هويتها وكيانها وتشكل لوبي قوي في الدولة, فقد انشأ المسلمون جمعيات للعلماء تعني بشئون المسلمين واتحاد عام لمسلمي الجنوب الافريقي, الذي يندرج تحته هيئات للزكاة وهيئات للفتوي والدعوة وهيئات للطعام الحلال والحج والعمرة واستطلاع الهلال. ويضيف أن المسلمين انشاوا ايضا حوالي5 اذاعات اسلامية ومحطة تلفاز( قناة الاسلام), وعدد كبير جدا من دور تحفيظ القران الذي يحتل مكانة كبيرة لدي المسلمون حيث يوجد عدد كبير من الحفاظ. وينتشر المسلمون الان في كل بلدات جنوب افريقيا تقريبا الا انهم يتركزون بشكل اساسي في منطقة كيب تاون( العاصمة السياحية للبلاد) ويغلب علي المسلمون في هذا المكان المذهب الشافعي لكون اصولهم اندونيسية وماليزية, كما يتركز المسلمون ايضا في منطقة ديربان وجوهانسبرغ واغلب مسلمي هاتين المنطقتين من اصول هندية ينتشر بينهم المذهب الحنفي.. والاسلام اليوم هو اسرع الاديان انتشارا في جنوب افريقيا, خاصة بعد قدوم عدد كبير من المهاجرين العرب والافارقة المسلمين الي هذه البلاد, ويقول الدكتور عبدالسلام بسيوني أن المسلمين في جنوب افريقيا لم ينسوا دور مصر قديما في قبولهم كبعثات جنوب افريقية للتعليم علي ارض مصر في الخمسينات والستينات مجانا وحتي الان, فوقفوا مع الثورة المصرية وفرحوا بها ايما فرح وتابعوا اخبارها يوما بيوم ودعو لمصر في المساجد. وهنا يمكننا القول إن الجالية الإسلامية في جنوب إفريقيا تعطي مثالا حيا علي أن المسلمين قادرين ليس فقط علي الإندماج مع المجتمعات الاخري حتي وإن كانت مختلفة في الدين والعادات والتقاليد وإنما أيضا تكوين ما يسمي باللوبي القوي في تلك المجتمعات اقتصاديا وسياسا وهو ما يسقط المزاعم التي كانت تقول عكس ذلك.