بقلم :عبدالمجيد المهيلمي لم يكن أحد يتصور أبدا أن يتقدم هذا العريس بالذات لطلب يدها, وخصوصا بالطريقة الفجة التي قام بها. فقد كان معروفا عنه أنه يقطن الصحراء ويكره أضواء المدينة, إلا أنه فاجأ الجميع يوما وجاء الي الميدان الذي يطل عليه مسكن العروس ممسكا بيده المصحف الشريف وبيده الأخري ميكروفونا أعلن فيه علي الملأ بصوت أجش أنه يريدها لنفسه علي سنة الله ورسوله. وكان محاطا بنفر غفير من عشيرته مدججين بالسيوف رافعين أعلاما خضراء وسوداء ويطلقون شعارات من قبيل: إن طاعة الزوج من طاعة الله, وهددوا بخطف لم تنم العروس هذه الليلة, صحيح أن الله أمر الزوجة بطاعة زوجها, وهذا أمر مفروغ منه يقتنع به كل سكان الميدان, ولكن القول بأن كلام الزوج هو من كلام الله قول مردود عليه بالكثير, فضلا عن أنه يعرض الزوجة لتعسف الزوج وهو ظلم كبير يدخلها في مستقبل مظلم غير مأمون. أخذت تتقلب قلقة علي مستقبلها, وكانت شاردة فيما خطف انتباهها الساعة الغريبة التي كانت بمعصم عريس الصحراء, فقد كانت عقاربها تتحرك في الاتجاه المعاكس, تلف وتدور للخلف!! قلت إنه لم يكن أحد يتصور أن يتقدم عريس الصحراء لزواج العروس ذلك أن الجميع كان يعلم بما يكنه لها قريبه وصديقه من حب كبير وولع شديدين. صحيح أنها قصة حب من طرف واحد, ولكنها قصة كانت بعض فصولها دامية علم الكثيرون بتفاصيلها بالرغم من حظر الكلام فيها منعا للمشاكل. فقد حاول قريبه لسنوات طويلة مدعوما بإخوانه بأن يفوز بها, إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل وكان الرفض دائما من نصيبه. وقد أحس أن الأحوال قد تغيرت بعدما احتفلت العروس بعيد ميلادها الخامس والعشرين في يناير الماضي, وأنها أخيرا قد تقبله كشريك حياتها, فأعاد ترتيب أوضاعه واستعد لطلب يدها رسميا. وعلم أن أهل العروس طلبوا منه أكثر من مرة لما عرف عنه من انغلاق وجمود فكري وتزمت وتعصب وعدم تسامح ضمانات تحكم العلاقة الزوجية, إلا أنه كان يتهرب دائما من الرد عليهم متذرعا بأن الثقة يجب أن تحكم العلاقة بين أي زوجين وأنه لايجوز البتة وضع شروط من أي نوع في عقد الزواج! وكان عرسان آخرون قد تهيأوا أيضا بعد هذه المناسبة, فتقدم لها مطلق, عالمه غير عالمها, يكبرها كثيرا في السن من مواليد يوليو1952, عرف أنه فشل تماما مع زوجته الأولي التي كان قد وعدها أمام الشهود في يوم زواجه بستة وعود ولم ينفذ أيا منها. وهو ماسبب مشاكل جمة بينهما, حتي انتهي الزواج بتشريد الأولاد بعد فقدانهم لثروتهم وضياع جزء كبير غال من ممتلكاتهم. وقيل إن الزواج استمر أطول من اللازم, ذلك أن أهل الزوجة أحبوه لما حباه الله من عذوبة الحديث, وهو الحب الذي أفقدهم وعيهم وأعماهم تماما عن عيوبه وتصرفاته القاتلة. كما تقدم لها عريس آخر لم تسترح لهيئته, فقد كان به شئ مايجعله يظهر علي غير طبيعته. فملابسه جديدة ولكنها لا تناسبه, ونبرة صوته بها شيء يخيفها. وبعدما سألت عنه, عرفت أنه كان طوال حياته يرتدي ملابس الجيش, وأنه لايزال يحتفظ بزيه العسكري في دولاب ملابسه وأن بدلته الأخيرة مكوية وجاهزة للبس في أي وقت. وكانت العروس رافضة تماما فكرة الزواج من ضابط بالجيش, فهي لا تريد الارتباط بأي ضابط بعدما عايشت بنفسها تجارب لأقاربها وأصدقائها وزميلاتها انتهت جميعها بالطلاق بعد مشاحنات وشجار مرير لاستحالة استمرار الحياة وتقدمها تحت الأوامر العسكرية صباحا ومساء. ويجب ألا ننسي ذكر العريس الذي جاءها مرتديا قميصا أحمر وصارحها بأنه لا يملك شقة لكنه يخطط لوضع يده علي شقة فسيحة ملك أحد الأثرياء ستعجبها وسيعيشان فيها مسرورين. وأنه مقتنع بنظرية قرأ عنها لتسيير أمور الحياة حاول الكثيرون تطبيقها ولكنهم فشلوا إلا أنه سيقوم بتطبيقها بطريقة علمية لتدبير مصروف البيت. وفي يوم مشمس بديع, سمعت طرقا علي باب بيتها ففتحته, فوجدت نفسها أمام رجل وسيم, وجهه فيه القبول يشع طاقة إيجابية. قال لها مبتسما إنها لا تعرفه ولكنه متأكد أنه العريس المناسب لها, وأنه فتن بها عندما رأها يوم عيد ميلادها فقد كانت آية من الجمال بفستانها الرائع ناصع البياض وكأنه فستان زفافهما, كما أعجب كثيرا بالترتيب الممتاز للحفل وبطريقة تنظيمه وبالنظام الذي اتبع خلاله. وقال لها بكل جدية إنه يأمل أن يكملا مشوار حياتهما معا. وبدأ يعرفها بنفسه فقال لها إنه يعشق الحياة.. وأن التطور سنة الحياة.. وأنه يعمل دائما لدنياه كأنه سيعيش أبدا, ولآخرته كأنه سيموت غدا.. وأنه يؤدي فرائض الله.. وأنه يؤمن بأن الدين يسر وليس عسرا.. وأن الدين المعاملة. ثم أمضيا ساعات طويلة يتحدثان فيها عن خططهما المستقبلية, فقال لها إن الحياة كفاح وأن عليهما أن يجتهدا ليبنيا معا عش الزوجية طوبة طوبة, ويتعاونا دائما للتغلب علي كافة المشاكل التي ستواجههما, وألا يسمحا قط لغريب أو حتي لقريب بالتدخل في شئونهما الخاصة. واتفقا علي تكوين أسرة صغيرة كي يستطيعا توفير حياة كريمة لأولادهما وتربيتهم أحسن تربية وتعليمهم أفضل تعليم. كما وعدها بأنه سيساعدها في شغل البيت, وأنه لا يمانع في أن يكون لها وظيفة فالعمل عبادة بل إنه سيشجعها دائما لتنجح وتترقي لأعلي المناصب, فعليهما دائما أن يعتمدا علي أنفسهما, علي مجهودهما لبناء مستقبلهما ومستقبل أولادهما. حكت العروس لأمها ما دار بينهما, وعلي فلسفته في الحياة وعلي فكره المتفتح ورؤيته الواقعية للأمور, واعترفت لها أنها مستريحة مع منطقه وفرحة بكل ما اتفقا عليه, فخرجت أم العروس الي الشرفة والفرحة لا تسعها وهي تردد زي الورد.. عريس زي الورد.. وأطلقت زغرودة طويلة دوت أصداؤها في الميدان كله. [email protected]