"أرجوكم.. لا تستعينوا بالكبار.. انطلقوا وأبدعوا كيفما تراءى لكم خيالكم".. لفتتنى تلك الكلمة التى قالها الفنان البديع أحمد صيام لدى تكريمه ليلة الخميس الماضى في الدورة الحادية عشرة لمهرجان المسرح العربى للهواة. وذلك تعليقا على توصيات لجنة المشاهدة التى ألقاها الناقدين عبدالغنى داوود ووفاء كمالو، حينما طالبا شباب المؤلفين بالاستعانة بكبار المؤلفين للاستزادة من خبراتهم نظرا لضعف مستوى النصوص المقدمة للمهرجان. والحقيقة أن ما قاله صيام لخص بإيجاز شديد جدا مدى الصراع الدائر حاليا بين شباب المسرحيين وأساتذتهم، فالرجل أدرك أن استمرار الحياة تكمن في حيوية الشباب وطاقاتهم، وهو بالطبع لا يقصد مطلقا الاستهزاء من تاريخ هؤلاء الكبار، ولكنه يقصد ضرورة منح الشباب الفرصة لخوض التجارب بكل حرية والاستمتاع بمذاق النجاح من اسباب الفشل بشكل عملى، فتلك هى سنة الحياة التى يرفضها أو يرفض ان يصدقها كثير من الكبار - سنا ومقاما - في شتى مجالات الحياة وليس المسرح فقط، ولعل أحد الأمثلة على ذلك رفض الفنان جلال الشرقاوى لمصطلح السينوغرافيا والدراماتورج مثلما صرح بها في ندوة عرضه "الكوتش" وتأكيده على على التزام شباب الفنانين وعلى رأسهم المؤلفين ومصممى الديكور، وهو ما دفع الفنان حازم شبل مصمم ديكور "الكوتش" إلى كشف حقائق جديدة حينما قال: " مثبت بالصور ان الفنان جلال الشرقاوى تسلم ديكورات مسرحيته الأخيرة " الكوتش " يوم 30 نوفمبر 2013، علماً بأنه افتتح المسرحية يوم 20 ديسمبر، أى قبل افتتاحه بثلاثة أسابيع كاملة، رغم صروف العمل الصعبة مع سيادته ورفض جميع عمالة الديكور المسرحي المتخصصة في جميع ربوع مصر في التعامل مع سيادته لأسباب سوف اذكرها لاحقاً إذا اقتضي الأمر، فالعامل الوحيد الذي قبل تنفيذ الديكورات هو نجار الموبيليا الذي يتعامل معه". هذا بدوره يدفعنا للنظر إلى أزمة المهرجان القومى للمسرح في دورته المنتهية قبل أيام، والتى أسدلت لجنة التحكيم الستار عنها باختيار عرض "1980 وانت طالع" - التابع لمسرح الهواة - كأفضل عرض مسرحى، ليؤكد فشل إدارة مسرح الدولة في تقديم عروض ترقى لمستوى الحدث، اللهم إلا عرض "ليل الجنوب" للمخرج المتميز جدا ناصر عبدالمنعم وفريق عمله المتناغم جدا، فأبطال عرض "1980 وانت طالع" هم في الأصل أيضا أبناء خالد جلال وتلامذته في مركز الإبداع، وانضموا لجمعية هواة المسرح التى أسسها عمرو دوارة، ليتقدموا لهذا المهرجان الذي شهد كثيرا من الجدل والاحتقان، وبعيدا عن تصورى أن لجنة التحكيم حاولت استرضاء كل المشاركين بجوائز وشهادات تشجيع لإزالة هذه الحالة من الاحتقان، إلا أن الأمر في النهاية يبقى على ما هو عليه، فالدكتور محمد أبو الخير رئيس قطاع الإنتاج قرر تشكيل لجنة حيادية لمناقشة أزمات المسرحيين وهى مكونة من الفنانين محمود الحدينى وعايدة فهمى وأشرف عبدالغفور بصفته نقيبا للممثلين بالإضافة إلى المخرج الشاب احمد السيد والناقد حاتم حافظ، وهى لجنة بالطبع لا تختلف كثيرا عن أخواتها اللجان التى ابتدعها المسئولون بعد الثورة لدفن أى كارثة والتعتيم عليها اعتمادا على نعمة النسيان التى وهبنا الله إياها، فبادئ ذى بدء أن تكوين هذه اللجنة ليس له معنى لأن مشاكل المسرحيين واضح بالضرورة واعتراضاتهم على إقامة المهرجان معروفة قبل إقامته بأسابيع لأى عابر سبيل أمام أى دار عرض مغلق في القاهرة وحدها، كما أن تلك المشاكل تفصيلا تقدم بها الكاتب الكبير محمود الطوخى للوزير يدا بيد لتتحقيق فيها، ثم أعاد المخرج الشاب أحمد ابراهيم تقديمها مرة ثانية للوزير في حفل ختام المهرجان رغم أنف الجميع، فما هو الجديد الذى ستكتشفه هذه اللجنة، الأمر الثانى أن وجود أشرف عبدالغفور في تلك اللجنة ليس فيه جديد خاصة أن معلوماتى أن نقابة المهن التمثيلية بدأت تحقيقا فيما حدث بافتتاح المهرجان وتداعياته وأسبابه، وأن الفنان سامى مغاورى عضو مجلس النقابة اتصل هاتفيا بالكاتب محمود الطوخى لاستبيان ما جرى ليلتها، فهل سيبدأ النقيب من جديد في استيضاح من جرى من خلال اللجنة المحايدة؟! الأمر الثالث أن الهوة العمرية بين أعضاء اللجنة واختيار اثنين فقط منم الشباب ينذر بفض جلساتها قبل أن تبدأ، وأستطيع ان أجزم أن الناقد حاتم حافظ سيكون أول من سيستقيل من تلك اللجنة اختلافا في وجهات النظر مع أعضاء اللجنة - كما فعل تماما في لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة- وسيليه بالطبع الفنان أحمد السيد، وسيكون لديهما كل الحق لأن آفة اللجان التى أصابت بلدنا لا تجدى نفعا طالما أن الجميع لا يريدون حلولا من الجذور، لذا أرجو أن يراجع الدكتور نفسه في هذا قرار تشكيل هذه اللجنة لأن مشاكل المسرح واضحة وضوح الشمس، فقد تفاءلنا خيرا بقدومه – ومازلنا حتى الآن- لانتشال المسرح من غيبوبته وبحث أسباب إغلاق كثير من المسارح وعلى رأسها ملف المسرح القومى، ومحاولة الانحياز لطاقات الشباب والبحث عن طرق – مالية- بديلة لبث الروح من جديد في عروق المسارح والفرق الباحثة عن فرصة للعرض حتى لخمس عشرة ليلة، لأنها في حقيقة الأمر طاقات معطلة لن تنتظر لجانكم كثيرا وليس من السهل معرفة ما ستتطور إليه الأمور في حالة استمرار تجاهلها، خاصة وأن لجنة التحكيم الذين اخترتموهم في مهرجانكم الرسمى نادت بسرعة افتتاح تلك المسارح. لمزيد من مقالات باسم صادق