لم يكد يغادر آخر جندي أمريكي حدود العراق حتي انفجر الصراع بين السنة والشيعة داخل التحالف الحاكم الذي يرأسه نوري المالكي, يهدد بقاء الحكومة التي استغرق تشكيلها أكثر من تسعة أشهر, ويثير مخاوف العراقيين خاصة السنة من خطر أن يعود الاقتتال الأهلي بين الجانبين, أو تعطي الأزمة فرصة لتنظيم القاعدة الذي لا يزال قادرا علي القيام ببعض جرائم الإرهاب, لكن السؤال المهم لماذا اختار رئيس الوزراء نوري المالكي هذا التوقيت الحرج لاتهام نائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي, احد أبرز قيادات السنة, بأنه خطط لارتكاب عدد من جرائم الإرهاب للتخلص من عدد من السياسيين, وأمر بحصار بيته في بغداد بالدبابات, وعرض علي التليفزيون الرسمي شريطا يعترف فيه ثلاثة أفراد من قوة حماية الهاشمي, بأنهم ارتكبوا ست جرائم بأوامر مباشرة من نائب رئيس الجمهورية تلقوا عنها مكافآت مالية بلغت ثلاثة آلاف دولار لكل منهم؟, ولماذا يصر المالكي في هذا التوقيت الصعب علي أن يطلب من البرلمان العراقي سحب الثقة من نائبه السني صالح المطلك, لأنه وصفه في حوار تليفزيوني مع محطة أمريكية بأنه أكبر دكتاتور حكم العراق!. وبرغم محاولات القيادات الكردية في شمال العراق الطالباني والبرزاني احتواء الأزمة ودعوة الطرفين السنة والشيعة إلي مؤتمر وطني لتجنب مضاعفات الموقف, إلا أن الواضح من مجمل الصورة أن الأزمة تتجاوز كثيرا خلافات السياسيين, وأن الأمريكيين مارسوا ضغوطا قوية علي الجانبين حالت دون انفجارها قبل رحيلهم, وأن التمييز الطائفي يزداد اتساعا وعمقا ويعلن عن نفسه بوضوح بالغ في كل مكان, ليشمل معظم معسكرات الجيش ومواقعه التي يرتفع فوقها صور الحسين سيد الشهداء وأعلام الشيعة السوداء بدلا من أعلام العراق تأكيدا علي هوية المكان الشيعية!. وفي مسجد أبي حنيفة النعمان المرجعية الدينية الكبري لسنة العراق, استمعنا همسا لشكاوي سنة بغداد من صور عديدة من التمييز الطائفي التي تقصي أبناء السنة من الخدمة في الوظائف العامة والجيش, بينما ينضم إلي القوات العراقية عشرات الآلاف من ميليشيات الشيعة خاصة ميليشيات مقتدي الصدر, لأن المصالحة الوطنية الحقيقية لم تتم بعد ولا تزال تتعثر, لأن الحكومة تتلكأ في تعديل بعض نصوص الدستور التي تكرس قسمة البلاد كما وعدت, وتراوغ في إصدار قوانين إعادة تقسيم الثروة النفطية علي طوائف العراق الثلاثة, السنة والشيعة والأكراد دون تمييز, بحيث يتم القضاء علي المشكلة الطائفية من جذورها. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد