قبل أسابيع قليلة وعلي نحو لافت أكد مصدر دبلوماسي رفيع المستوي بالخارجية التركية أن علاقات بلاده مع الدولة العبرية قد تشهد تقدما بعد الانتخابات الإسرائيلية, والتي جرت في الثالث والعشرين من يناير. وكانت كافة المؤشرات ترجح فوز التحالف اليميني المتشدد بزعامة بنيامين نيتانياهو وتشكيل الأخير للحكومة الجديدة. بعدها بأقل من شهرين, وتحديدا أثناء زيارته للعاصمة كوبنهاجن, أدلي رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان بحوار لصحيفة دنماركية تراجع فيها عن آرائه العنترية ضد الصهيونية التي سبق ونعتها بالارهاب, إضافة إلي جملة من التصريحات لم تكن عادية بل ومفاجئة لما تعود عليه مواطنيه, بيد أن جملها وعباراتها, كانت بمثابة التمهيد للخطوة التي شجعت الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارته التي وصفت بالسياحية وهي عكس ذلك تماما للقدس المحتلة في الفترة من20 إلي22 مارس الفائت, ليمارس ضغطا مهما من صديق لصديق. وفي خطوة لافتة ابدي ببنيامين نيتانياهو, لنظيره التركي اعتذاره عبر الهاتف عن الخطأ الذي ارتكب في حق مواطنوه, آخذا عهدا علي نفسه بدفع التعويضات لعوائلهم. وهكذا يطرح السؤال: هل طويت صفحة لتبدأ أخري جديدة؟ وبصيغة استفهامية أكثر دقة, هل ستشهد الأواصر التي تجمع أنقرة وتل أبيب دفعة قوية في المرحلة القادمة؟ ولكن قبل هذا وذاك, هل العلاقات قطعت أصلا أو حتي جمدت؟ هذا ما سيجيب عليه التقرير التالي, هنا في غازي عثمان, تلك الضاحية الراقية, والتي تعج بالسفارات ومقار إقامة دبلوماسيين, يمثلون بلدانا عربية وأجنبية شتي, بدت السفارة الإسرائيلية وكأنها شبه مهجورة, فالحركة خفت عليها ومن حولها, اللهم تشديد الإجراءات الأمنية تحسبا لجمعات غضب حتي وإن كانت قليلة جدا.. لا وجود لجهد أمني فوق العادة, اللهم المزيد من التدابير المحكمة التي لا تسمح بأي تجاوز صغير أم كبير, حال خروج مظاهرة هنا أو هناك تنديدا بالممارسات الصهيوينة العدوانية في الاراضي العربية المحتلة, وبعد أن تفرخ شحنتها الغاضبة سرعان ما تنفض دون أن تترك أثرا يكون قد مس الممتلكات العامة والخاصة بأي سوء. ورغم أن النشاط, تراجع بصورة ملحوظة بعد سحب الطاقم الرئيسي وعلي رأسه السفير, ولم يبق سوي سكرتير ثالث, إلا أن ما يجمع الدولتين كان يسير في مجراه دون نقصان اللهم زيادة خصوصا علي الصعيدين الاقتصادي والعسكري, وهذا ما كانت تعكسه القنصلية في اسطنبول التي بدت أروقتها أفضل حالا, وها هو المكتب التجاري الإسرائيلي في اسطنبول يصدر تقارير حوت بدورها أرقاما جميعها أكدت زيادة حجم التبادل بين البلدين, فبعد أن كانت واردات تركيا من إسرائيل1.31 مليار دولار عام2010 صارت العام الماضي1.85 مليار دولار. هذا التناغم لا شك وأنه اسعد واشنطن, بيد أنها سارعت ووضعت طلب تركيا بشأن تزويدها بأسلحة بلغت قيمتها140 مليون دولار, لتطوير أنظمتها الدفاعية الجوية أمام الكونجرس مع مؤشرات تؤكد استجابتها للصفقة. في هذا السياق, لم تكن هناك اي غرابة ووفقا لما قاله الكاتب محمد علي غوللر في أن توجه إسرائيل دعوة لتركيا علي لسان بنحاس افيفي المدير السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية والسفير السابق لدي أنقرة للتعاون فيما يتعلق بالأزمة في سوريا, وهو ما يعني أن كلتا العاصمتين العبرية والأناضولية تقف في صف واحد تجاه دمشق, ولم يكن مستغربا أن تكون الأخيرة احد دوافع أوباما التي ساقها لحث نيتانياهو بسرعة إنهاء خلافه مع أردوغان. غوللر أشار ايضا في مقاله بصحيفة ايدنليك, إلي أن منظومة الدرع الصاروخية في منطقة كوراجيك بمدينة ملاطيا جنوب البلاد وبعدها بطاريات باترويوت علي الحدود في غازي عنتب واروفا وهاتاي, ما هما إلا واحدة من جملة سياسات تستهدف سوريا وإيران وتجعل من حكومة حزب العدالة والتنمية شريكا لإسرائيل من جانب وأداة لتنفيذ مخططات الولاياتالمتحدةالأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وفي نهاية تعليقه زعم بأن الآراء الرافضة للسياسات التركية المتبعة إزاء جارتها خاصة ودول المنطقة عامة, صارت تتصاعد شيئا فشيئا. ولكن علينا فقط أن نذكر أن أيدلنك وهي المطبوعة اليسارية وتصدر يوميا من إسطنبول متعاطفة مع النظام السوري بل وتتبني مواقفه, وآخرها حوار مع بشار الأسد نشر السبت الماضي, وفيه اتهم صراحة تركيا الرسمية بدعم الارهاب في بلاده. ويبدو أن غوللر وصحيفته يعبران عن قطاع لا يري خيرا في أداء السياسة الخارجية في ظل العدالة الحاكم, فالباحث حسن قانبولاط رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية في الشرق الأوسط ذهب إلي القول بأن سيناريو وضعت مفرداته بالاشتراك مع حكومة العدالة, قد بدأ تفعليه علي ارض الواقع في سوريا, أحد أهدافه الرئيسية هو إضعاف جميع القوي الإقليمية التي يفترض أنها تشكل تهديدا لأمن إسرائيل. وعلي الرغم من عدم وجود ما يؤكد صحة تلك الإدعاءات إلا أن مشاهد تتتالي وهي حتما ليست مصادفة, ربما عززت بعض هذه الاقاويل, فبعد اعتذار نيتانياهو, يعود جون كيري الذي لم يمض سوي أسبوعين علي زيارته الأولي للعاصمة التركية, للاناضول يوم الأحد المقبل, مستبقا اللقاء المرتقب بين أوباما واردوغان في السادس عشر من شهر مايو القادم والذي اعلن البيت الابيض عنه الجمعة الماضي.