سألتنى وكأنها خبطتنى على رأسى.. وأنت المهتم ببرامج التواصل الاجتماعى.. هل تجدها فعلا للتواصل؟ هل يوجد فيها صداقة حقيقية؟ هل حقا حينما نظهر على فيسبوك وتويتر وجوجل بلس وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعى نعرض بعضنا على بعض.. لكى نشترى أم لكى نبيع؟ أم نحن هنا لكى نغلف أنفسنا؟!.. ونختار على هوانا؟ قلت: قبل أن أجيب، ما الذى تقصدينه من كل هذا؟ ولم أنت على كل هذه الشبكات الاجتماعية ليل نهار!.. وما نوع الصداقة الحقيقية التى تقصدينها؟ قالت: أنا أريد أن أعرف.. أنا فقط أرى أن هذا العالم الرقمى جميل يمكننى أن أجد فيه الصداقة الحقيقية.. يمكننى أن أختار من أريد من الأصدقاء والجيران يمكننى أن أضع يدى فى الحديقة لأخرج التين الذى أحبه بلا شوك.. والزهرة البيضاء وسط ملايين من الزهور الحمراء أو الصفراء.. وكذلك الصديق الوفى دون الصديق الذى يريد أن يتسلى بى أو بغيرى. قلت: شبكات التواصل الاجتماعى مثلها مثل غيرها من اختراعات الإنسان فى هذا العصر.. كل فرد يمكنه أن يستخدمها على حسب هواه وعلى حسب ما يريد.. ولكنها تبقى فى النهاية تخلق عالما من الراحة أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.. وهناك فى الغرب يعلمون ذلك. أغلبية الدراسات تبدأ هناك على الجانب الغربى من العالم بعيدة عنا.. فنحن هنا لا نبحث فقط وإنما لا ندرس ولا نعلم وفى النهاية نتناول ما يلقيه علينا علماؤهم. دراسات كثيرة تتكلم عن الصداقة عبر فيسبوك وتويتر.. كان من بينها دراسة أمريكية أجريت على الشباب والفتيات.. وأعرب عدد كبير منهم جاوز النصف (55%) على نجاح فكرة الصداقة عبر شبكات التواصل الاجتماعى.. إلا أن أستاذين جامعيين متخصصين فى الاتصالات شككوا فى نتائج هذه الدراسة بعد بحث قاما به.. حين وجدا أن 80% ممن اختيروا كعينة من مواقع وساطة للزواج لم يقدموا صورة حقيقية عن حياتهم الشخصية. والمعنى فى الدراسة أن شبكات التواصل فى المجتمعات المفتوحة خادعة ونسبة الكذب فيها أكبر من نسبة الصدق على الرغم من أن أحدا لم يجبرهم على ذلك.. فما بالنا ونحن هنا نعيش أزمة انعدام الضمير.. أزمة فى انعدام الكثير من القيم والمبادئ.. فتحولنا من الغناء الرأسى إلى الغناء الأفقى.. وتحولنا إلى عصر تشويه الرموز.. فلا يعيش لنا رمز.. ولا تنسى أننا من اخترع حكمة "لا كرامة لنبى فى وطنه".. فكيف تعيش لنا صداقة إلكترونية. وأنت قلت إنك تختارين من على هواك فى عالم الديجيتال والعالم الافتراضى.. وهل هذه حقيقة؟ هل نحن قادرون على الاختيار فى العمل والشارع والنادى وحتى عندنا فى البيت.. إن ما تتحدثين به هو الرفاهية بعينها.. رفاهية أن أختار من هو على هواى بدون أخطاء، بدون أشواك، بدون ألوان.. وهذا ليس حقيقيا أيضا. فأنت كمن يحاول أن يصنع تمثالا من الرخام الأبيض الرائع تختارين فيه كل شىء بعناية ودقة.. العينان زرقاوان والشعر أصفر ذهبى والخدود بيضاء ملساء والأسنان ناصعة البياض والشفايف متوسطة غير غليظة.. ولكن يبقى أهم شىء فى التمثال.. وأنت لم تصنعيه ولن تقدرى وهى الروح التى تجمع كل هذا. لقد قلت أيضا إنك تضعين يدك على الزهور فتختارين ما تشائين.. وهل وجدت ما ترغبين؟.. بالطبع لا، هل تصدقين حقا ما تقولين!.. يبدو أنك لا تعرفين الحكمة التى تقول: "لو أننى اخترت من ألف امرأة كلهن مثاليات.. لأسأت الاختيار".. فما بالك بمن يختار بين الرجال. فى عالم الديجيتال يمكننا أن نكون مثل ما نريد.. يمكننا أن نفكر قبل الإجابة.. فلا توجد عيون تراقبنا وتفضح نظراتنا يمينا وشمالا.. ولا توجد آذان تسمع رعشات الأحبال الصوتية فى حناجرنا لتظهر خوفنا أو قلقنا أو تلعثمنا فى أسئلة منطقية غاية فى السهولة.. لا توجد جلود تلمس وتحس وتشعر.. بالبرودة فى اللقاء أو حتى سخونة حرارة اللقاء. وفى العالم الافتراضى أيضا.. أقدم أنا أو غيرى لك ما تريدين.. وأنت تقدمين لى ما أرغب.. فقط اسألى أو اطلبى أو قولى لى ما تحبين.. افتحى عقلك وانطقى وكل ما ترغبيه سيكون تحت يديك.. هل ترغبين فى قصص الحب.. سأنسخها من جوجل وأضعها بين يديك!.. هل ترغبين فى الحكمة!.. سأقنصها من مواقع المعرفة وألف بها وسطك وعقلك وأضعها تاجا على رأسك.. هل ترغبين بأبيات من الشعر المقفى أم الحلمنتيشى؟!.. كل شىء جاهز وموجود ومُعلب.. فقط اضغطى على كلمة بحث.. وستفتح لك مغارة على بابا. ونحن نضع حاجزا أمامنا وبيننا وخلفنا ليسجننا جميعا هذا المجتمع الرقمى.. فلا نستطيع الخلاص من شباكه.. باللايك والكومنت والتويت والريتويت والإضافة.. ثم نجلس ليل نهار نبحث عمن يحقق لنا ما نريد وما نرغب. وأنا أفضل خطأ صديقى فى الحياة الواقعية على كلمات الحب من امرأة جميلة لا أعرفها فى الحياة الرقمية. وعذرا على صدمتى لك.. وعذرا على كلامى غير المعسول.. فأنت ترغبين فى صداقة تفصيل.. فلا داعى لكى تضيفى عليها كلمة حقيقية.. فأنت ترغبين فى صداقة من ناحيتك أنت فقط، وبشروطك أنت وحدك.. وهو ما أجبتك عنه.. أما الصداقات الحقيقية فعلا فإنها قد توجد فى أى مكان.. وكل زمان.. فى شبكات التواصل الاجتماعى، فى النادى، فى العمل، فى الحارة .. ولكن بشروطها المتعارف عليها .. كالاهتمام والإخلاص وكتم السر وإبداء النصيحة والحفظ فى الغيبة وعدم النميمة وغيرها.. ألو .. هل أنت معى؟ ولماذا لا تجيبين؟.. فجأة لم أعد قادرا على التواصل معها والكتابة لها.. لأنها عملت لى "بلوك". [email protected] لمزيد من مقالات أحمد سعيد طنطاوى