أثار مقالي الأخير رسالة بصراحة إلي المجلس العسكري تعليقات عديدة علي الموقع الإلكتروني ل الأهرام يتهمني بعضها بتحريض المجلس العسكري علي الأحزاب الإسلامية التي حققت انتصارا كبيرا في الجولتين الأولي والثانية للانتخابات. وقد وجدت أنها فرصة سانحة للتعرض لموضوع كثيرا ما آثرت تأجيله والصبر عليه, وهو الأسلوب الذي يختاره البعض في التعليق علي مقالاتي بالأهرام, حيث دأب البعض علي مهاجمتي بكلمات تتجاوز حدود اللياقة وتسخدم فيها عبارات جارحة, ناهيك عن رسائل البريد الإلكتروني التي جاءتني بها خلال السنوات الماضية تهديدات صريحة وشتائم يعاقب عليها القانون. والمفارقة هي أن هؤلاء الذين يسددون سهامهم إلي شخصي يتشدقون في هجومهم بالدين الإسلامي الحنيف, ويؤكدون أن منطلقهم هو الدفاع عن الإسلام وحمايته. وأنا أسألهم بدوري: هل الإسلام يدعوكم للسب والقذف وتوجيه الاتهامات ؟ هل الإسلام يحضكم علي الإساءة والتجريح؟ إن ديننا الحنيف يأمر منذ بداية الرسالة في عصر كان يعلو فيه صوت الكفار والزنادقة بالمجادلة بالحسني, ويدعو إلي مكارم الأخلاق. فهل هذه هي مكارم الأخلاق بالنسبة لكم أيها السادة؟ هل تلك هي الحسني التي أوصي بها الدين؟ هل التخويف والتهديد والوعيد هي سبيلكم لإقناع من لا يتفق معكم في الرأي؟ وهناك بعض الأسماء التي تتكرر بانتظام وسط التعليقات علي مقالاتي علي النت, ولا أعرف إن كانت صحيحة أم مختلقة لكنها تكيل الشتائم ضدي وضد زملائي وعلي رأسهم الأساتذة الكبار أحمد عبد المعطي حجازي وجابر عصفور ونبيل عمر علي أساس أننا نمثل تيارا يختلفون معه ويقدم رؤية لمصر ومستقبلها تناقض اقتناعاتهم مع أننا جميعا من هذا الجانب أو ذاك لا نطمح إلا خيرا للبلاد وعودتها إلي سابق عهدها من التقدم والرقي. وهناك أستاذ بإحدي جامعات الولاياتالمتحدة تقطر تعليقاته بالتعصب والتطرف في الرأي, وأنا أتساءل هل يجهر بمواقفه تلك في جامعته الأمريكية التي يعمل بها وهل يعلم زملاؤه هناك بمواقفه؟ أم أنه يستخدم التقية ويخفي اقتناعاته ولا يعلنها إلا في وسائل الإعلام المصرية؟ ولكي أضع الموضوع في سياقه لا بد من الإجابة عن هذا السؤال: ماذا قلت في مقالي السابق؟ قمت باستعراض لأهم الأخطاء التي وقع فيها المجلس العسكري منذ 11 فبراير الماضي ومنها المحاكمات العسكرية للمدنيين, واختبارات كشف البكارة التي تعرضت لها بعض الفتيات المتظاهرات في ميدان التحرير, والتخبط والتباطؤ في اتخاذ القرارات المهمة مثل محاكمة مبارك, وأضيف إلي ذلك التعامل العنيف وغير المقبول مع الثوار في شوارع وميادين مصر. لكن أهم أخطاء المجلس العسكري في رأيي هو بدء عملية تسليم السلطة السياسية بالانتخابات التشريعية قبل الدستور وقبل انتخاب رئيس الجمهورية, وقلت إنه خطأ سوف ندفع ثمنه غاليا في الحقبة المقبلة بل إننا بدأنا ندفع ثمنه من الآن. وأنا من المقتنعين بأنه علينا جميعا أن ننحني أمام إرادة الناخب أيا كانت, وأرفض بعض المقولات المنتشرة مثل إن الشعب قد أخطأ في اختياره وكان ضحية عملية تضليل. لكن المشكلة أن مفهومنا للديمقراطية مفهوم قاصر. فنحن نتصور أن الديمقراطية تنتهي عند صناديق الاقتراع, لكن الحقيقة أنها تبدأ منها. فهناك مباديء وضوابط عديدة لا مجال لسردها هنا منها حرية الرأي والعبادة وحرية التعبير واحترام حقوق الأقليات وغيرها. لكن أهم هذه الضوابط هي ما يسمي بتداول السلطة. فلا يمكن أن نقبل أن يأتي رئيس يقول لنا إنه الملهم وصاحب البصيرة النافذة وبالتالي فعلينا أن نقبله رئيسا مدي الحياة كما فعل بنا مبارك. كذلك لا يمكن أن يخرج علينا حزب أو فصيل نجح في الانتخابات يقول لنا إنه يحكم بما أنزل الله وباسم خالق السماوات والأرض وبالتالي فعلينا أن نقبله إلي أبد الآبدين. وقد استخلصت من هذه المبدأ الأساسي للديمقراطية أنه علي المجلس العسكري أن يجد السبيل لضمان عملية تداول السلطة وعدم استئثار التيار الديني أو أي تيار آخر مهما يكن به علي اعتبار أنه ينفذ شريعة الله وأن غيره يخرق إرادة خالق السماوات والأرض وسوف يجرف البلاد إلي الكفر والدمار. وهنا مربط الفرس. فإن هذا هو الرأي الذي أشعل نار الغضب في صدور المناصرين للتيارات الدينية وجعل المعترضين يصبون جام غضبهم علي مقالي السابق ويتهمونني بأني أحرض المجلس العسكري علي الأحزاب الدينية وهذا بعيد تماما عن ذهني بل ويتناقض مع اقتناعاتي. لكنه إذا كان هذا الرأي قد أثار حفيظتهم إلي هذه الدرجة فهذا معناه ببساطة أن مخاوفي في محلها وأنهم راغبون بالفعل في أن يظل التيار الديني يحكمنا إلي الأبد وفي أن تكون هذه الانتخابات هي الأولي والأخيرة, علي أساس أن الشعب المصري قد قال كلمته من الآن وإلي يوم الدين. وهذا الكلام لا علاقة له بالديمقراطية من قريب أو بعيد. فاختيار الشعب ليس معناه أنه اختيار دائم, وفي كل الدول الديمقراطية فإن الشعب يسقط الذين يحكمونه ويأتي بالمعارضة التي تصبح أغلبية, وقد يتغير الوضع في الانتخابات التالية وهكذا. وحكم الشعب يجعل جميع الرؤساء ورجال السياسة يبذلون قصاري جهدهم للخدمة العامة ويستمدون شرعيتهم وسلطتهم من الإرادة الشعبية وليس من إرادة علوية مفترضة, لأن الله سبحانه وتعالي لا يختار الرؤساء والأحزاب التي تحكم كما كان يتصور الناس في الماضي فكان ملوك أوروبا يحكمون بموجب الحق الإلهي كما كانوا يقولون. وإذا كان هناك في مصر من يريد حكم الأحزاب الإسلامية فأقل شيء إن يتمسكوا بمباديء ديننا الحنيف ولا يكتفوا بالسعي إلي فرض الحجاب والنقاب ومنع الاختلاط ومنع ارتداء المايوه الحريمي وتحريم الخمور علي السائحين. الدين أكبر من هذا بكثير ياسادة, وكما قال رسولنا الكريم المسلم من سلم المسلمون من لسانه ومن يده. أما أنتم فلا ترحمون الناس من لسانكم.. وأخشي أن يأتي اليوم الذي لا ترحمونهم فيه من أيديكم. المزيد من مقالات شريف الشوباشي