"أشترى المصري".. عنوان حملة شعبية جديدة لدعم المنتج المصرى. الفكرة ممتازة والتعاون الذى أبدته بعض الشركات كان ممتازا ايضا لقد كان الأمر بحق تعبئة جماهيرية فى الطريق السليم. فعجلة الإقتصاد المصرى فى حاجة للدوران بأقصى سرعتها وتكون البداية دائما بتشجيع الجماهير على شراء ما تنتجه المصانع الوطنية من منتجات وبالتالى ستذهب أموال المستهلك المصرى الى خزائن الشركات المصرية والتى بدورها ستحول تلك الأموال والأرباح الى مرتبات وحوافز للعاملين ومبالغ اضافية لتطوير الإنتاج والتوسع فيه. وعندما يقبض العمال والموظفين رواتبهم يشرعون بدورهم فى التوجه الى المتاجر لشراء احتياجاتهم واحتياجات ابنائهم ويذهبون فى رحلات داخلية او الى السينما او الى الحدائق حيث يتناولون طعامهم وهم سعداء. وهم فى ذلك لن يكونوا وحدهم بل ستحل السعادة على كافة المصانع ومابها من عمال وموظفين بالإضافة لمصلحة الضرائب التى ستستخلص من الجميع ما تحتاجه البلاد ومشاريعها من أموال.. إنه الإقتصاد. الا ان سؤال هام الح على الجميع عند الإعلان عن حملة "اشترى المصرى".. الم يتم تدشين سلسلة من الحملات المماثلة على مدار العشرين سنة الأخيرة؟ ولماذا كانت تنجح تلك الحملات لمدد زمنية لاتتجاوز الشهور المعدودة قبل ان يعود كل شئ كما كان؟ الإجابة ببساطة تحمل عدة عناصر أبرزها وأولها هوالإنتماء الوطنى. فحب الوطن والتعصب له والإستعداد "الحقيقى" للتضحية من أجله تساعد دائما على نجاح مثل تلك الحملات. والنماذج الصينى والهندى واليابانى والألمانى والكورى ليست كلها ببعيدة عن الأذهان. ففى كل دولة من تلك الدول تشعر بتشجيع حاد للمنتج الوطنى فإذا سرت فى أسواق تلك الدول تجد أغلب المنتجات المعروضة - ان لم يكن كلها - من الإنتاج الوطنى. بل ويحرص الشعب على الا يتم الترويج لسلعة أجنبية مماثلة فوق ارض الوطن فهذا الأمر ان وقع فهو بمثابة شكل من أشكال الخيانة أو الإيذاء للوطن. ولن انسى كيف خصصت الصحف البريطانية صفحاتها الأولى للإشارة الى خطأ فادح ارتكبه أحد أعضاء الأسرة المالكة هناك. فقد حضر الى احدى الحفلات الرسمية مستقلا سيارة ألمانية الصنع! وهو ما يعنى ان الشعب البريطانى قد يقلده مما يهدد صناعة السيارات الوطنية بالخطر. وكذلك فعل الهنود. فبعد تصنيع اول سيارة وطنية تم تعميم استخدامها على كل الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية ويصر رئيس الوزراء على ركوب تلك السيارة التى لم يتغير شكلها الخارجى منذ عشرات السنين تأكيدا على احترامه لصناعة بلاده. أما العنصر الثانى فهو "أمانة" الجهات التى تقوم بالإنتاج. فقد رأينا جميعا كيف تكررت حملات لتشجيع شراء المنتج المصرى الوطنى خلال العقود السابقة. وعندما يذهب المستهلك للشراء يجد السلعة مليئة بالعيوب ومهملة بل وربما لايوجد دليل لاستخدامها وصيانتها. وسرعان ما تظهر عيوب الصناعة وعدم الإتقان فى الأيام الأولى من الإستعمال. وعند السؤال عن السبب يأتى الرد مؤلما.. "إشرب يا سيدى".. "تعيش وتاخد غيرها".. "ده كلام جرايد.. هل صدقته؟!". وسرعان ما تستشعر مكاتب وشركات الإستيراد تبرم المستهلك الوطنى من منتجات بلاده فيسارعون باستيراد السلع المغرية بأسعارها وأشكالها, وأحيانا قليلة بجودتها. وماهى الاشهور قليلة وتخترق الآذان كلمات مثل.. "ده يابانى لايعلى عليه".. "ابنتى ستشترى طاقم سفرة فرنسى امال عايزين تشتروا المصرى"؟!! أن الوطن يمر بساعات حاسمة وكذلك الثورة ولم يعد هناك بد من مواجهة الحقيقة. فإذا ذهب المستهلك للشراء فعليه أن يدرك أن كل قرش سيدفعه لشراء سلعة وطنية سيعود له فى وقت لاحق وفى هيئة أخرى. وأن كل شراء لمنتج اجنبى سيحرم ابن وطنه من فرصة عمل ويمكن ان يؤدى الى اغلاق مصنع كان من الممكن ان يوفر لأبنه وحفيده وشقيقه فرصة عمل كريمة. ولكن الأمر لايقف عند المستهلك فهناك الشركات المنتجة التى يتحتم عليها "إحترام" المستهلك الوطنى الذى سيضحى بماله ويتغلب على إغراءات السلع الأجنبية ليشترى المنتج المصرى. انه أمر يجب أن يعيه أبناء الوطن جيدا حتى لاتتحول مبادرة "إشترى المصرى" الى مهرجان للتسول بعنوان "حسنة للمصرى"!! فهذا هو الفارق بين النهضة الحقيقة والتسول باسم الثورة. المزيد من مقالات طارق الشيخ