من يتابع معظم الفضائيات والصحف الخاصة هذه الأيام يتصور أن المصريين شعب منحل يقضي وقته بين البارات وشواطئ العراة. ولذلك أصابته صدمة قوية بتفوق التيارات الإسلامية في الانتخابات لأنها ستمنعه من الاستغراق في شرب الخمر والاستمتاع بصاحبات البكيني, وقد يضطر آسفا إلي التردد علي المساجد واكتشاف معالم دينه من جديد. وتنسي النخبة الإعلامية التي تحاول استخدام تفوق التيارات الإسلامية كفزاعة لإخافتنا من هذه التيارات, وممارسة الإرهاب الفكري ضدها, أن الشعب نفسه هو من اختار هؤلاء من خلال صناديق الانتخابات, وأنه لا يحتاج وصاية من أحد في ممارسة حقه الإنتخابي. صحيح أن بعض الشخصيات السلفية فاجأت الرأي العام بآراء صادمة أثارت مخاوف الكثيرين, لكن الصحيح أيضا أن عدد مثل هذه الشخصيات وتأثيرها ضئيل, مقارنة بضخامة التيارات الإسلامية المعتدلة وتعددها مثل الإخوان المسلمين وحزب الوسط, وغيرها من القوي السياسية ذات المرجعية الإسلامية. إلي جانب أن شخصيات من التيارات المعادية للإسلاميين كان لها أيضا آراء صادمة, تنم عن عدم معرفة حقيقية برجل الشارع العادي في قري ونجوع مصر. إن إحدي المشكلات الغريبة التي تقابلنا الآن الإنفصال الواضح بين النخبة والشعب, وحوار سريع مع أي مواطن بسيط بالشارع وليس حتي استطلاع ضخم مثل الذي أجراه مركز الدراسات بالأهرام سيكشف لنا أن الجماهير العادية لا يعنيها الجدل البيزنطي الغارقة فيه النخبة حول قضايا قد لا تغني ولا تسمن من جوع. أنبوبة البوتاجاز لدي الكثيرين أهم من الدستور, ورغيف العيش لا يفرق بين الدولة المدنية والدينية, والجهل والفقر والمرض تنتشر أسرع من الأفكار الليبرالية والشيوعية والأصولية. ولن تنجح عملية بناء أي نظام سياسي جديد, في ظل نخبة قديمة هدفها الوحيد إثبات وجودها ولو علي أنقاض الثورة.. والدولة. المزيد من أعمدة فتحي محمود