لن نبتلع الطعم بعد اليوم, فالغرب هو الذي يخاف من الجماعات الاسلامية ويصنع فزاعة الاخوان.. هكذا تتحدث وسائل اعلامه ويروج في كل مكان أن الاخوان قادمون في مصر, والدليل علي ذلك الجولة الأولي في الانتخابات البرلمانية والمؤسف أنه استطاع أن يصدر لنا الخوف من الاخوان مع أن واقع الحال يؤكد أننا يجب ألا ننظر الي الاخوان ككتلة صماء.. ففيها المتشددون وفيها المعتدلون وفوق كل ذلك هم بالدرجة الأولي مصريون.. وهذا هو الأساس بمعني أن ارادة الشعب المصري الذي اختارهم يجب أن تكون فوق كل اعتبار.. وإلا صنفنا الغرب ذاته علي أننا ضد ارادة الشعب!.. المؤسف ثانية أننا لو تعمقنا في موقف الغرب كل الغرب لوجدناه يدفعنا بسبب خوفه لأحد أمرين: الأول أن يتكرر سيناريو الجزائر عام 1991 عندما فاز الاسلاميون بالمقاعد البرلمانية فانقلب عليهم العسكريون واستحوذوا علي السلطة حتي يومنا هذا غير عابئين باللعبة الديمقراطية, أو بالغليان الذي يموج في الشارع الجزائري! والثاني أن نكرر سيناريو حماس الذي فازت بالمقاعد البرلمانية في فلسطين, فانقلب الغرب عليها مع أنها لم تأت إلا من خلال صناديق الاقتراع, ومالت الي ترجيح كفة السلطة الفلسطينية الحالية غير ملتزمة بارادة الشعب الفلسطيني. مع أن القاصي والداني يعلم أن مافعله الغرب في فلسطين وسرنا وراءه للأسف الشديد ليس من الديمقراطية في شيء.. والسبب هو خوف الغرب وليس الفلسطينيين من الإسلاميين بدليل أن الشعب الفلسطيني هو الذي اختار حماس! والحق أن خوف الغرب من الإسلاميين يذكرني بفرائص الغرب التي ارتعدت عندما جاء اليمين المتطرف الي السلطة في عدد من الدول الغربية, وزادت المقاعد التي احتلها في دولة مثل فرنسا, وغاب عن بال هؤلاء أن الشعب الغربي هو الذي اختار ذلك, وأن القاعدة الذهبية التي تعلمها الجميع من اليونان الاقدمين هو ان الشعب يجب أن يكون مصدر السلطات في كل الأحوال, ولا يحتاج لوصاية من أحد! وللانصاف يجب أن نذكر أن الغرب هو الذي يخاف من الاسلاميين وليس نحن في مصر, والسبب أن هؤلاء يخافون من الدين الاسلامي, بل هم أنفسهم الذين اخترعوا مايسمي بالاسلاموفوبيا أي الخوف المرضي وغير المبرر من الدين الاسلامي, ويرون أن أي مسلم هو بالضرورة أسامة بن لادن أي متطرف, وأن الجاليات الاسلامية في دول الاتحاد الأوروبي وعددها نحو 26 مليون مسلم لا وظيفة لها سوي أسلمة أوروبا! أي ادخال القارة العجوز في الحظيرة الاسلامية, وتؤمن أن اسمك: محمد أو محمود أو مصطفي.. فأنت بالضرورة إرهابي حتي يثبت العكس! وغيرها من الأفكار المغلوطة, يحاول الغرب أن يجعلنا نقولها ونلوكها بألسنتنا ليل نهار, وهذا ظاهر للعيان من خلال توحد الخطاب الاعلامي علي الأقل في الغرب وفي عدد من الدول الاسلامية منها مصر علي سبيل المثال. والحق اننا وليس الغرب, نؤمن بالديمقراطية, ونري أننا يجب أن نقف في وجه ارادة الشعب, وأن الاسلاموفوبيا ظاهرة يخاف منها الغرب, وليس نحن في الشرق مثلما لا نخاف من المسيحية أو الليبرالية, كما نؤمن بأننا لا يجب ألا نضع شروطا علي الفائزين سواء في المجالس البرلمانية أو في الرئاسية, فمبدأ الوصاية مرفوض من ناحيتنا أما مبدأ احترام ارادة الغير فمكفول في حياتنا.. ثم إننا لن ننسي أن النظام السياسي السابق ظل يروج فكرة إما أن تقبل فساده أو نقبل الاسلاميين, واستمر بهذه الاكذوبة طول ثلاثين عاما دون أن نقاومه, واستسلمنا لأقواله وصدقنا كلامه عن المحظورة حتي تحول الأمر بعد ثورة25 يناير وأصبحت المحظورة محظوظة فعلا وقولا! أريد أن أقول ان الغرب نفسه لم يستوعب ماحدث في مصر وتونس وليبيا واليمن.. إذ تناول القضية من الخارج, وصحيح أن الشعوب العربية قد استيقظت, وأن الربيع العربي بدأت بشائره.. وأن أحدا من المستبدين لن يحكمنا بعد اليوم, لكن أيضا, وهذا ما أغفله الاعلام الغربي, لن نصدق الترهات التي تأتينا من الغرب والمغالطات التي تخص حياتنا ونسي أننا وليس هو نري أن الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب وللشعب! بكلمة أخري يجب أن نصدق صناديق الاقتراع, ونرضي بنتائجها أيا كانت, وإذا تقدم الاسلاميون.. فأهلا ومرحبا, وإذا تقدم الاقباط أو الليبراليون.. فأهلا ومرحبا, ولن ننسي في غمرة الفرحة أننا نتبع نظاما رئاسيا وليس برلمانيا بمعني أن الفائز أيا كان لونه الديني لن يشكل الحكومة, وانما رئيس الدولة الذي سيختاره الشعب المصري في شهر يونيو القادم.. إذن لا مبرر للخوف من الاسلاميين, وإذا كان هناك مبرر لخوف الغرب منهم, فلا يوجد عندنا لأننا شعب متدين بالسليقة, وحضارتنا التي نفخر بها في كل حين قد أسست بالدرجة الأولي علي الدين, ومن لا يصدق فعليه أن يقرأ جيدا تاريخ الأهرامات! ثم إذا رجعنا الي تاريخنا المعاصر, لوجدنا أن ثورة عرابي لم تغب عن بالنا كشعب, فالرجل قد نفاه الانجليز الي شبه جزيرة سيلان! كما نفت الامام محمد عبده الي بيروت, لأنه كان من المشتركين معه, ثم كان ذلك توطئة لاحتلال انجليزي غاشم لمصر, استمر حتي عام..1952 إننا لم نسمح للغرب باحتلالنا, والأهم أننا لن نصدق مايقوله عنا أو عن بعض أبنائنا, فكلنا مصريون.. ونعلم أن مايقوله عن فوبيا الاسلام لا يخص سواه.. كذلك الأكاذيب التي يروجها لن تخدم إلا النظام السياسي السابق وفلوله, لذلك لن نصدقه.. الأهم أننا لا نعرف سببا وجيها لاعتراضه علي فوز المصريين أي التوجه الاسلامي, فلقد فاز الاسلاميون في تونس عبر حزب النهضة, كما فاز الاسلاميون في المغرب وشكل زعيمهم الحكومة بأمر الملك, ثم جاء الحكام الجدد في ليبيا وهم لا ينكرون توجههم الاسلامي.. فما وجدنا من الغرب إلا قبولا للفكرة, بل صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية بأن أمريكا قادرة علي التعامل مع الاسلاميين.. في هذه الدول.. ومادامت هذه هي إرادة الشعب هناك! ما أعنيه هو أن نقرر مانشاء في بلادنا وعلي الغرب كل الغرب أن يتعامل معنا, وأن يحترم قواعد الديمقراطية التي تعلمناها معه من اليونان الأقدمين! ثم عليه أن يتعامل مرة أخري مع الاسلاميين في مصر كما هو مضطر ان يتعامل مع الاسلاميين في تونس وليبيا واليمن, كما أننا نذكر أن خطوطا كبيرة قد تم تشييدها بين دعاة الاسلام في مصر وبين زعيمة العالم الغربي أمريكا ولأن التاريخ لا يكذب, فعلي الغرب أن يطور نظرته إلينا وإلا عزل نفسه عن الشرق الأوسط الذي يعتبره حديقته الخلفية التي يلعب فيها منذ زمن دون أن يحرك أحد ساكنا. بكلمة أخري إن الربيع العربي الذي احتفي به الغرب في البداية سيراجع جميع المقولات الواردة إلينا واضعا في الاعتبار المصلحة العامة التي تعود بالنفع علي الشعوب العربية التي نري أنها يجب ان تكون المستفيد الأول من هذا الربيع.. ومن تلك الثورة. المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي