لا يوجد في أي من دساتير دول العالم المتحضر أو حتي المتخلف أي نصوص تكفل حق الاعتصام, كما لا توجد في أي من القوانين الوضعية أو السماوية ما يعطي الحق في تعطيل دواليب العمل والإنتاج أو حركة السير بالشوارع والميادين, كما لا يوجد في الأعراف الدولية أو المحلية ما يشفع لمواطن أو متظاهر الاعتداء علي رجل أمن دون رد فعل يتناسب مع حجم الجرم, كما لا توجد في اللوائح المنظمة لحقوق العمال لا في الأنظمة الشيوعية ولا الرأسمالية ما يمنح العامل حق التطاول علي رئيس العمل بالقول أو الفعل. وعلي الرغم من ذلك فقد استشرت هذه المآسي جميعها في مصر الآن بدواعي الحالة الثورية تحت مسميات الديمقراطية والحرية وحق التعبير إلي أن أصبحت الحالة مزمنة فتطورت بمرور الوقت إلي أن سارت الدولة في ركابها بالطبطبة علي المعتصمين وتقديم التسهيلات لمعرقلي حركة الميادين والاعتذار للمعتدين علي رجال الأمن وتقديم حوافز الإثابة لمن أساؤا لأرباب العمل أملا في فض اعتصام هنا أو منع احتجاج هناك وهو الأمر الذي ساهم في المزيد من حالة الفوضي التي تعيشها البلاد حاليا. والغريب أن تستمر هذه الأوضاع علي الرغم من أن الحالة الديمقراطية آخذة في التطور والنمو بمواقيت محددة وبمشاركة شعبية منقطعة النظير أملا في مستقبل أفضل قد يعوضنا مآسي عقود عدة افتقدنا خلالها الكثير من مقومات الحياة, وسأظل أؤكد أننا لم نكن نحلم بتحقيق أي من ذلك لولا لطف الله سبحانه وتعالي بنا ثم حنكة القائمين علي أمر البلاد الذين أداروا الدفة بحنكة عالية رغم كل هذه الأمواج المتلاطمة التي آن لها أن تهدأ وأن تعي طبيعة المرحلة بعد ما شهدته حياتنا من انفلات أمني من جهة وترد اقتصادي من جهة أخري وهما أخطر ما يهدد تماسك أي مجتمع. فمع تشكيل حكومة نالت احترام الشعب بقيادة كفاءة مشهود لها, ومع تشكيل مجلس استشاري ضم القوي السياسية المختلفة, وبإجراء انتخابات تشريعية غير مسبوقة في تاريخ مصر, وتحت رعاية قوات مسلحة أكدت دوما أنها الحصن الحصين لأمننا القومي في الداخل والخارج لم يعد هناك أي مبرر لصيحات المتحفزين أو تشكيك المتحزلقين اللهم إذا كان بيننا من يريد تعويق هذه المسيرة لأسباب خاصة ومن يسعي إلي إثارة البلبلة لمآرب لم تعد خافية علي أحد وهي أمور سوف يتصدي لها الشارع بالتأكيد متضامنا مع السلطة التنفيذية التي من حقها أن تتوافر لها الأجواء الملائمة للعمل وإعادة البناء. وإذا كنا نناشد هذه الفئة التي أصبحت بلا شك ضئيلة العدد ضعيفة المنطق أن تمتثل لإرادة الشارع الذي ينشد الاستقرار فإننا في نفس الوقت لن نغفر لأجهزتنا التنفيذية في ثوبها الجديد أن تجعل من سياسة المهادنة أو المساومة أساسا لردع الخارجين علي القانون أو المعوقين لحركة المجتمع حيث لا يمكن القبول باستمرار هذه الحالة أكثر من ذلك في ضوء التراجع المخيف لاحتياطياتنا النقدية وشلل الاستثمارات الخارجية وضعف الحركة السياحية وفوضي الأوضاع الداخلية وارتباك العلاقات الخارجية. الدعم الشعبي لحكومة الإنقاذ الوطني الجديدة هو مبرر كاف لأن تعمل هذه الحكومة بالقفز للأمام وليس العودة أو النظر إلي الخلف وذلك لأنها حكومة إنقاذ الشعب كل الشعب وليست حكومة ميدان أو فئة بعينها. المزيد من أعمدة عبد الناصر سلامة