ما من شك أن تقدم الأمم والشعوب وتطورها يقاس بثرواتها البشرية وما تحققه في جميع مجالات البحث العلمي هو السبيل الوحيد لمواكبة الدول المتقدمة, وأن القوة الفاعلة والمؤثرة في مسيرة الحداثة, والعصرنة لن تتحقق إلا بالبحث العلمي, ويجب أن نعي جيدا أن الدول في منافسة بعضها مع البعض تخص البحث العلمي وان هذه المنافسة بينها هي في حقيقة الأمر بين دول استثمرت مواردها ومقوماتها في البحث العلمي المتميز, وبين دول تستخدم مواردها في الترف والمظاهر ومدخرات خارج البلاد يستفيد منها الآخرون. ولكن من المعروف أن هذا البحث العلمي في حاجة ماسة إلي دعم مالي وهذا لن يتأتي إلا بالجهود الذاتية من قبل رجال الأعمال والمستثمرين, وقد تعددت مصادر هذا الدعم بأنواعه المختلفة, وأعتقد أن أهمها في الوقت الحالي هو الوقف الخيري المالي المستخدم في تمويل البحوث العلمية المتميزة بمختلف مجالاتها التي اتسمت بقدرتها علي التغلغل في مختلف جوانب النشاط الانساني, الأمر الذي جعل معظم الدول المتقدمة العمل علي تسخير أدوات البحث العلمي لتحقيق معدلات أسرع للنمو الاقتصادي والاجتماعي والتي تخدم قاعدة عريضة من الفقراء والمحتاجين, ومن ثم فإن انتهاج هذا النوع من الوقف في الصرف علي البحث العلمي عمل خيري واجب العمل علي كل قادر عليه. ويعتبر هذا النوع من الوقف صدقة جارية للواقف عليه حيث يجني الفقراء والمساكن ثمارها إلي يوم الدين, فقد يكون هناك بحث علمي يموله هذا الوقف يسهم بشكل فعال في تشخيص وعلاج أمراض خبيئة خبيثج ومستعصية, وقد يكون سببا في تحسين سبل الزراعة والصناعة علاوة علي أن هناك أبحاثا علمية مدعمة بهذا الوقف تساعد العقول المصرية في استخدام التقنيات الحديثة للحصول علي طاقة جديدة ومتجددة صديقة البيئة, وغير ذلك من الأبحاث العلمية ذات الصلة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجالات العمليات الإدارية والحوكمة التي تخدم الشعب.. كل هذه أمثلة من أبحاث علمية التي يمكن دعمها بالوقف الخيري للوصول إلي حلول علمية تخص التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعاتنا من مكافحة الفقر وتوفير فرص العمل والحماية من التلوث البيئي وما شابه ذلك. لذا يجب أن نستحث المستثمرين ورجال الأعمال من أهل الخير علي الحض علي هذا النوع من الوقف, وتخصيص جزء من أموالهم وقفا خيريا للصرف علي تلك الأبحاث العلمية التي تحقق المنفعة العامة لجميع أفراد المجتمع, خاصة شريحة الفقراء والمحتاجين, وما هم دون الطبقة المتوسطة.