في خضم الأحداث المؤسفة التي عمت مصر خلال الأيام التي سبقت المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية المصرية وحولت نظر كل المصريين تجاه مواقع المواجهات في شارع محمد محمود بالقاهرة .. و منطقة سموحة بالإسكندرية و غيرها من المواقع التي شهدت اضطرابات,لم يتوقف كثيرون أمام خبر انعقاد اجتماع اللجنة الدائمة للثقافة العربية في القاهرة, الذي دعت إليه و شاركت فيه وفود ممثلة لثلاثة عشر قطرا عربيا. وبقدر ما حملت التوصيات المهمة التي أسفر عنها هذا اللقاء أكثر من بارقة أمل جديد في خضم الأنواء التي تهدد الدول العربية و الأقصي الشريف, بقدر حجم الإحباط الذي سببه الاقتراح الذي تم تقديمه باستبعاد إقامة قمة ثقافية عربية بسبب الظروف الراهنة!! ورغم أن تداعيات الأحداث في مصر أدت لإلغاء الجلسة الثالثة وإنهاء أعمال المؤتمر قبل الموعد المحدد,فإن عددا من الوفود ممن يدركون تماما أهمية الدور الثقافي لمواجهة محاولات تفتيت العالم العربي واستلاب موروثه الثقافي و طمس هويته وتهويد القدس العربية والمخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصي حرص علي استكمال برنامج العمل و تقديم توصيات مهمة لدعم مشروعات البنية الثقافية التحتية في الدول العربية عامة و في فلسطين خاصة, والتي تمهد لتشكيل بيئة ملائمة للتعاون الثقافي بين مختلف الدول العربية,ترأب الصدع الذي صنعته الاختلافات السياسية وتضارب الرؤي الأيديولوجية. فقد أجمع المشاركون علي ضرورة دعم جهود فلسطين للوفاء بما يتطلبه انضمامها إلي اليونسكو من التزامات تبرز الحضور الفلسطيني الفاعل في أعمال المنظمة الدولية واجتماعاتها ومؤتمراتها. كما طالبوا منظمة الأليسكو المنظمة العربية للعلوم والثقافة بالعمل علي مساعدة فلسطين في مشروعاتها التربوية والثقافية والعلمية, خاصة فيما يستلزمه انضمامها إلي الاتفاقيات الثقافية الدولية في اليونسكو من اتفاقية التراث الثقافي والطبيعي العالمي(1972) واتفاقية الحفاظ علي التراث غير المادي(2003) واتفاقية تنوع أشكال التعبير الثقافي(2005) واتفاقية لاهاي(1954) الخاصة بالنقل غير المشروع للممتلكات الثقافية. كما شملت التوصيات دعوة كل من البحرين والعراق إلي إدراج الاحتفاء بالقدس ضمن برامج كل منهما للاحتفاء بالعاصمة الثقافية ومواصلة العمل علي الإعداد للاحتفاء ببغداد عاصمة للثقافة العربية2013, ومتابعة قرار المؤتمر الخاص باعتبار القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية وتوأمتها مع العواصم الثقافية العربية المحتفي بها. كذلك دعت اللجنة الدول العربية إلي مواصلة تقديم الدعم لمشروعات البنية التحتية الثقافية في القدس تنفيذا لقرار الدورة السابعة عشرة للمؤتمر, وحث الدول التي لم تسهم في ميزانية مشروعات دعم التراث الثقافي في القدس ومعرض القدس أن تحول إسهاماتها إلي الحساب المخصص في المنظمة لهذا الغرض. وفي شأن الحضور العربي الفاعل في اللجان المختصة بالاتفاقيات الثقافية الدولية باليونسكو طالبت اللجنة الدول العربية بالعمل علي الترشيح لعضوية تلك الاتفاقيات وإلي دعم انتخابها فيها ودعوة المنظمة إلي مواصلة التنسيق ما بين الدول العربية في اجتماعاتها والإعداد لمشاركتها فيها. كما طالبت الدول العربية بمواصلة متابعة الإجراءات الخاصة بالتصديق علي اتفاقيتي حقوق المؤلف والحقوق المجاورة, والحفاظ علي المأثورات الشعبية, ودعوة منظمة الأليسكو إلي تقديم تقرير شامل بالموقف التنفيذي الخاص بالانضمام إلي هاتين الاتفاقيتين. وفيما يتعلق بتوثيق التراث العربي, أوصي المجتمعون بدعوة الدول ومنظمة الأليسكو إلي التعاون في وضع نموذج لجمع الإحصاءات الثقافية وتحديد الإطار العام لهذا النموذج والاستفادة منه في إعادة النظر في استبيان حولية الثقافة العربية التي تعدها المنظمة والتعاون الكامل بينها في المشروعات القومية التي أقرها المؤتمر في إطار الخطة الشاملة المحدثة للثقافة العربية و من بينها مشروع إنشاء المعهد العربي لحوار الثقافات وتحالف الحضارات, الذي أبدت لبنان استعدادها لاحتضانه وتوفير المكان المناسب له ووضع دراسة إجرائية بشأن مراحل التنفيذ. وقد دعت اللجنة وزارة الثقافة اللبنانية إلي تقديم هذه الدراسة للعرض علي الدورة القادمة للمؤتمر. وفي ذات السياق أكدت مصر استعدادها لإنشاء الأرشيف القومي للمأثورات الشعبية استنادا إلي ما لديها من تجربة عملية في مجال توثيق تلك المأثورات وأرشفتها. وتقديم ورقة عمل بشأن مراحل التنفيذ للعرض علي الدورة القادمة للمؤتمر. وفي إطار دعم المؤسسات الثقافية المقدسية, وافقت اللجنة علي اقتراح ممثل فلسطين أن تتولي مؤسسة المعمل للفنون البصرية في القدس عمل دراسة جدوي لتأسيس الشبكة العربية للفنون البصرية, لما لها من خبرة في هذا المجال. من جانب آخر فقد ناقشت اللجنة التصورات التي قدمتها الوفود حول مستقبل مشروع العواصم الثقافية والعلاقات الثقافية العربية مع الآخر ودعت الدول إلي تقديم مزيد من المقترحات إلي منظمة الأليسكو إضافة لتقديم الصيغة المعدلة لمشروع اتفاقية السوق الثقافية العربية المشتركة. كذلك فقد اطلعت اللجنة علي الوثيقة التي أعدتها منظمة الأليسكو حول تنفيذ مشاريع الاتفاقيات الثقافية لتيسير انتقال الإنتاج الثقافي بين الدول العربية, و أشادت بانضمام دولة قطر إلي اتفاقية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة, وانضمام الأردن والإمارات والعراق إلي الاتفاقية إلي جانب كل من تونس وسوريا وعمان وقطر والكويت. وفي هذا الشأن أوصت اللجنة أن تتضمن الدورة القادمة محورا خاصا بآليات تنفيذ اتفاقية تيسير انتقال الإنتاج الثقافي وتقديم الصيغة المعدلة لمشروع اتفاقية السوق الثقافية العربية المشتركة. وبالرغم من أن معظم ما سبق لم يزل في نطاق بدء التحرك نحو تشكيل فعاليات ثقافية ضرورية أو حتي مجرد صياغة لتصورات وأحلام المثقفين العرب, فإن مجرد التأكيد عليها ووضع خطط زمنية لمحاولة الخروج بها لحيز التنفيذ منح جميع من تابعوا فاعليات هذا اللقاء بارقة أمل, أننا علي بداية الطريق. لكن هذا سرعان ما تلاشي مع إعلان اللجنة المنعقدة استبعاد عقد قمة ثقافية بسبب الظروف العربية الراهنة واقتراح ممثل الإمارات عقد ملتقي لصياغة رؤي للعمل الثقافي العربي كبديل, وإعلان ممثلة دولة قطر استعداد دولتها لاستضافة الملتقي!! وإذا كان يحمد للجنة المنعقدة أنها لم توافق علي الفور علي هذا الاقتراح ودعوة الدول لتقديم مقترحاتها إلي المنظمة بشأنه, فإن هذا الطرح في حد ذاته يمثل مشكلة, خاصة وأن الحضور يفترض فيهم أن يكونوا أول المدركين لأهمية الدور الذي تلعبه الثقافة في بناء المجتمعات و العبور بها و إقالتها من عثراتها. من هنا فإن كلمة الظروف الراهنة التي تم الاتكاء عليها لتأجيل انعقاد قمة ثقافية,هي كلمة حق يراد بها باطل, بل إنها, في ظني, تساوي المشاركة في التكريس لمفهوم إقصاء الثقافة عن حركة المجتمع وعزلها عن البسطاء وتركهم نهبا لكل من يحاول العبث بعقولهم وتشويه مورثهم الثقافي أو اغتصابه لغرض في نفس يعقوب!! بل إنها تعني أيضا استمرار السياسات والرؤي القاصرة التي أوصلتنا للظروف التي يتخذها البعض حجة لعرقلة كل الجهود المخلصة.. فالحقيقة التي يعلمها رجل الشارع, وإن لم ينطقها لسانه, أن معظم خيوط الأزمة و طرق الحل تبدأ وتنتهي بالبحث في خزانة الوعي.. باستدعاء موروث حضاري من أحجار شكلت بيوتا وأسبله ومساجد و كنائس ومعابد, ومن خيوط وأوراق وحكايات عن أعراف وتقاليد وقيم وبنية معرفية وقيمية تفاعلت علي مر العصور مع مختلف الحضارات..وهو يدرك أن الحل في استعادة الثقافة الأصيلة وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها وليس باستدعاء الثقافات سابقة التحضير....أفلا يستحق منا كل هذا قمة ثقافية عاجلة مهما تكن الظروف الراهنة علي الأقل لتفعيل كل التوصيات السابقة؟! ge.gro.marha@ahieless