التمثيل التجاري: الجهاز يؤدي دورًا محوريًا في دعم مجتمع الأعمال المصري وحمايته    أسباب تلف طرمبة البنزين    البورصة المصرية تربح 3.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    احتجاجات حاشدة في القدس المحتلة ضد حكومة نتنياهو.. اشتباكات واعتقالات قرب الكنيست    تفاصيل إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم علي طريق طلخا شربين في الدقهلية    جدول التقييمات المبدئية والنهائية للصف الثاني الابتدائي بمحافظة البحيرة    القومي للمرأة يناقش قضايا التواصل والعنف السيبراني    61.15 دولار للبرميل.. تعرف على أسعار النفط بالأسواق العالمية    ننشر توصيات اجتماع وزراء السياحة بالدول الثماني النامية بالقاهرة    نصيحة وزير الشؤون النيابية لابنته بشأن العمل التطوعي    زعيمة حزب الخضر في ألمانيا: نريد حكومة قادرة على التصرف    ما الذي تحمله الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة؟    ضربة موجعة لستارمر.. رفض طلب لندن الوصول لبيانات الجريمة والهجرة الأوروبية    إيران تؤكد تمسكها بمواقفها في مفاوضات الملف النووي    الحوثيون: مقتل 4 أشخاص وإصابة 39 جراء غارات إسرائيل على الحديدة    الزمالك يفاضل بين ثنائي لمنصب مدير الكرة    الزمالك يتواصل مع "باتشيكو وبوطيب" لحل أزمة القيد    د. أسامة أبوزيد يكتب: الرئيس السيسي.. و«وشاح» الفروسية العالمي    «عبد اللطيف» يشارك فى فعاليات النسخة الرابعة من منتدى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف "اسمع واتكلم"    حق روان مش هيضيع.. مظاهرات حاشدة لطلاب جامعة الزقازيق للمطالبة بكشف ملابسات وفاة طالبة العلوم    الإعدام لمتهم بقتل طفل داخل مصلى العيد فى نجع حمادى بقنا    غياب نجوم الفن عن جنازة الفنان نعيم عيسي    فرقة غزل المحلة تعرض "نساء شكسبير" بالقناطر الخيرية ضمن مهرجان نوادي المسرح    رئيس الجمعية الكورية للمسرح يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    تجهيز مستشفى السباعية وتطوير قسم الغسيل الكلوي ب«كوم أمبو»    كلية التمريض جامعة قناة السويس تنظم ندوة حول المشروع القومي لمشتقات البلازما    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    18 مايو.. بدء محاكمة مرتضى منصور في اتهامه بسب خالد يوسف وزوجته    "الأونروا": 66 ألف طفل يعانون من سوء التغذية في قطاع غزة    في ذكرى وفاته ال23.. المايسترو صالح سليم حاضر في قلوب الأهلاوية وإرثه يلهم الأجيال    عقب التوتر مع باكستان.. حكومة الهند تأمر الولايات بتدريبات دفاع مدني    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    داليا البحيري تشارك جمهورها مقطع فيديو من زيارتها لأسوان    مركز السينما العربية يكشف عن برنامجه في مهرجان كان السينمائي ال78    أبرز اللقطات من داخل عزاء زوج كارول سماحة | صور    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    تطوير منطقة الكيت كات أبرزها.. تفاصيل لقاء محافظ الجيزة رئيسَ "التنمية الحضرية"    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    محافظ أسوان يترأس اجتماع المجلس الإقليمى للسكان    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    شوبير: الأهلي استقر على مدربه الجديد من بين خمسة مرشحين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 6-5-2025 في محافظة قنا    قرار عاجل من التعليم لإعادة تعيين العاملين من حملة المؤهلات العليا (مستند)    كم يوم متبقي حتى عيد الأضحى 2025 ؟    وزير الري: خطة وطنية لمراجعة منشآت حصاد مياه الأمطار    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    فاضل 31 يوما.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    صور حديثة تكشف أزمة بسد النهضة، والخبراء: التوربينات توقفت وإثيوبيا تفشل في تصريف المياه    «العربية للتصنيع» تتعاون مع شركة أسيوية لتأسيس مشروع لإعادة تدوير الإطارات المستعملة    «الصحة» تستعرض إنجازات إدارة الغسيل الكلوي خلال الربع الأول من 2025    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا في مستشفى السنبلاوين العام بالدقهلية    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوية والمستقبل‏(2/2)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 12 - 2011

في ضوء ماقاله لاكان‏(1901‏ 1981)(‏ الفيلسوف والمحلل النفسي الفرنسي‏)‏ تقوم الذات بالانشاء اوالتكوين لنفسها من خلال استخدامها الخاص للغة‏,‏انها اللغة التي جعلت منا بشرا كما قال بافلوف( عالم الفسيولوجيا الروسي) والتي لاتوجد ذات انسانية بدونها( كما قال عالم النيورولوجي جيرالد ايدلمان) تكلم حتي اراك هكذا كان سقراط يقول لمحاوره.. والمرء مخبوء تحت لسانه, فإذا تكلم ظهر, هكذا قال علي بن ابي طالب( رضي الله عنه)
ومثله مثل هيجل,حدد لاكان الوضع الخاص بالوعي الانساني بأنه وعي يكون في حالة بحث دائم للوصول الي اليقين الذاتي, كما انه وعي يقوم بتحويل ذاته وعالمه, خلال محاولاته الوصول الي ذلك اليقين, ومثله مثل نيتشه, تبني لاكان فكرة وجود ذات وهمية او متخيلة تكون دائما علي شفير التمزق, وعلي حافة الفكك, ذات ترغب دائما في التمسك بذلك الوهم الخاص بالكلية, والذي انتقده الفيلسوف الالماني ماكس شتيرنر(1806 1856).
تشكل الهوية الانسانية في جوهرها من خلال استراتيجيات شتي, هي استراتيجيات لغوية وتصورية استراتيجيات يستخدمها البشر كي يتحولوا من خلالها, الي اشخاص قادرين علي النشاط والوجود داخل السياق الاجتماعي الكلي. وفي ضوء ذلك كله, لايكون المعني الذي تنتجه الذات في شكل كلام اوكتابة نتاجا للخطاب الواعي الخاص بهذه الذات فقط.
ولكنه ايضا محصلة لمدي كبير من السلاسل الدالة من المعاني التي تعمل فيما وراء ذلك الوعي, او بعيدا عنه ويترتب عليها ظهور مايسميه لاكان الذات المتكلمة إنها الذات كما تعبر عن نفسها من خلال اللغة, هي ذات مفعمة بالدوافع والرغبات كما اشارت الفيلسوفة الفرنسية جوليا كريستيفا فالذات المتكلمة لديها ولدي لاكان أيضا ليست منفصلة عن التاريخ أو الوعي, اوالضوابط الاجتماعية, أو اشكال الانتاج, اوالمجتمع الذي تظهر فيه هذه الذات بشكل عام.
وكما اوضح لاكان أيضا فإن الحال الذاتية دائما حالةغير كاملة, وناقصة, ومن ثم فإنها تكون نفسها دائما من خلال عمليات وافعال التوحد والتمثيل الرمزية, ويلعب الفراغ دورا كبيرا لدي لاكان, والفراغ معناه: فقدان المعني, الافتقار الي المعني, العجز عن التوحد مع رموز ايجابية, ويرتبط وجود الفراغ بظهور الغرابة, وذلك لان الفراغ في ذاته غريب, صدع في المعني, مسافة بين المألوف وغير المألوف, بين العالم كما كنا نعرفه مألوفا قبل الفراغ, ثم كمااصبحنا نعرفه بعد الفراغ اوالصدمة اوالفقد اوالتغير الهائل الذي اصاب فردا ما أو مجتمعا ما, فجعله يعيش في حالة تشبه الفراغ, علي الرغم من امتلائها بالضجيج وكما نشهد ذلك في مصر الآن.
هكذا يدخل الفرد في شبكة من العمليات الرمزية, وتتشكل هوية الذات من خلال حالة من الافتقار الي المعرفة, الافتقار الي المعني, النقص في التمثيل, سوء الفهم الجيد, العجز عن تعرف نفسها في الصور العقلية الخاصة بالانسانية, شعورها بالخوف من نفسها أو علي نفسها, من رعدتها, من مواجهتها لذاتها, لكن هذه الخبرة لدي لاكان جوهرية ايضا في تكوين بنية الذات وفي عملية التوحد, وذلك لان الفرد المنقسم هكذا, الناقص هكذا, العاجز هكذا, يسعي جاهدا, هكذا الي الوصول الي التعرف الي ذاته, الي المعرفة بذاته والعالم داخل النظام الرمزي من خلال سلسلة من عمليات التوحد, التي تكون ايضا غير كاملة في النهاية, وهذا جزء مهم من طبيعة الوجود في هذا العالم, اي الوجود مع الآخرين وبالآخرين, حيث الكل في واحد, والواحد من اجل خدمة الكل.
وحيث ان اللغة هي التي جعلت منا بشرا, كما قال بافلوف, وهي التي لاتوجد ذات اوهوية بدونها كما قال ايدلمان, فإننا ندعو الآن الي ضرورة اجراء دراسة كبري حول مستويات اللغة الموجودة. الآن في الواقع المصري وذلك للكشف عن طبيعة الهوية الجمعية الموجودة داخل هذه الهوية الجمعية وانماط العلاقات الموجودة بين هذه الهويات المتعددة أيضا.
لقد تعرفت مصر نفسها في لحظات نادرة من تاريخها خلال ثورة1919, وثورة1952, وانتصار اكتوبر1973, وخلال ثورة25 يناير2011, وبخاصة في ذلك الشعار الجميل الذي انطلق يشق عنان السماء: ارفع رأسك فوق انت مصري لكننا وجدنا ان الانقسام لم يلبث ان عاد, والتفكك مالبث ان رجع من جديد, هكذا اصبحنا نعيش في ظل انقسام طائفي,وفي ظل صراعات عقائدية وفكرية وسلطوية يؤججها افراد وجماعات من الداخل والخارج وبهدف تفتيت هذه الهوية التي تماسكت والتحمت خلال ثورة25 يناير2011.
ربما كنا قادرين علي كشف علامات هذا الانقسام وملامحه لوقمنا بفحص وتحليل لغة البرامج الحوارية التليفزيونية ولغة مسلسلات التليفزيون وبخاصة في رمضان, ولغة الشارع وبخاصة لغة الشباب, ولغة الصحافة المكتوبة, ولغة المواقع الالكترونية وعلي نحو خاص التعليقات التي يكتبها قراء هذه المواقع المختلفة,ولغة التواصل الاجتماعي وبخاصة الفيس بوك والتويتر والمدونات وغيرها.
هذه وغيرها مصادر للدراسة والبحث واستخلاص الدروس والمفاهيم والأفكار حول كيف ان لغة الناس في مصر الآن تكشف عن وجود هوية منقسمة, هوية تبحث عن نفسها, لكنها تبحث عنها داخل منظور زمني منغلق, متوجه نحو الماضي علي نحو خاص كما انه منظور يكشف عن نزعة إقصائية عنيفة للآخر المختلف, وكذلك عن نوع من التمركز حول الذات والغرور وربما البارانويا التي تشي بميول مرضية, وهي ميول قد تأخذ هذه الهوية وتطيح بها بعيدا عن مسارها التكاملي الصحيح المنشود وقد تدمرها ايضا وتقذف بها خارج العصر.
وبشكل انطباعي عام ومن خلال الربط بين افكار مفكرين امثال هوفسيد ولاكان وبيرفين وغيرهم من العلماء الذين اهتموا بموضوع الهوية, اضافة الي افكارنا الخاصة وملاحظاتنا لما يحدث في مصر الآن, وفي ضوء ماسبق كله كذلك يمكننا قول مايلي:
اولا: إنه لايمكننا القول بوجود هوية مصرية واحدة الآن, بل هويات مختلفة متنافرة, ربما كانت تلك الهوية الموحدة موجودة في أيام ثورة25 يناير2011, لكنها هوية قد انقسمت الآن الي هويات متعددة: بعضها ديني وبعضها ليبرالي وبعضها علماني, بعضها يساري, وبعضها فوضوي, او عدمي, وبعضها الأعم صامت يراقب.
ثانيا: إنه يمكن تحليل لغة خطاب هذه الهويات من خلال صحفها ان وجدت ومن خلال شعاراتها وبرامجها الانتخابية واللغة السائدة في تجمعاتها ومن خلال البرامج الحوارية والقنوات الفضائية التي تعبر عنها او تعبر من خلالها هذه الهويات عن نفسها.
ثالثا: تكشف هذه اللغة الخاصة بكل ذات متكلمة من هذه الذوات او الهويات عن شعور متعاظم بالأنا وعن هيمنة واضحة للنزعة الإقصائية للآخر المختلف عنها.
رابعا: قد تستعين هذه الذات المتكلمة وخاصة لدي اصحاب الخطاب الديني بالتهديد للآخرين وبالملابس والأشكال التعبيرية الأخري المميزة لأصحاب هذه الهوية بالمقارنة بغيرها.
خامسا: تكشف لغة الذات المتكلمة الخاصة بالهويات المختلفة هنا عن نزعة براجماتية محدودة, نزعة تكتيكية وليست استراتيجية تريد من خلالها ان تستولي علي السلطة وتقصي عن طريق هذا الهويات الاخري, المشتركة معها في العرض.
سادسا: تكشف هذه اللغة أيضا عن نمط مغلق من التفكير اللغوي الاجتراري المتتابع المتكرر والمتسامح والمرونة العقلية وعن غياب واضح للخيال السياسي والإبداع الاجتماعي, من خلال تلك البرامج الانتخابية الجامدة المعروضة علينا الآن.
سابعا: أنه لابد لهذه الهويات المنقسمة أن تكشف عن طريق الحوار وتكتشف طرائق وطرقا مشتركة تربط بينها وتوحد من أجل صالح هذا الوطن ومستقبله.
أنظر إلي شكل السلطة المتوقعة في مصر من خلال الفترة المقبلة ولسوف نري أن الهوية المتوقعة في ضوء ذلك هي هوية يهيمن عليها: أولا: تغليب النزعة الفردية الخاصة بجماعة معينة علي المطلب الجمعي الخاص بالشخصية الكلية التي تضم هذه الجماعة أو تلك مع الجماعات الأخري المختلفة عنها في الدين أو التوجه السياسي, ثانيا: الانفعالية والتبسيطية في مواجهة مواقف القلق والخوف وانعدام اليقين من خلال الاتكاء علي خطاب ماضوي ديني ثوابته أكثر من متغيراته, بينما نجد أن العالم من حولنا متغيراته أكثر من ثوابته, ثالثا: النزعة الأبوية الذكورية الميالة لاستعراض القوة والصوت العالي واستبعاد قيم التواضع والعطف علي الآخر المختلف وهي القيم التي تؤكدها الأديان السماوية عامة, رابعا: التوجه قصير المدي بدلا من التوجه طويل المدي, حيث الاهتمام هنا لدي هذه الذات التي توشك ان تهيمن بالماضي أكثر من المستقبل, إضافة إلي تبنيها قيما رأسمالية تقوم علي أساس مراكمة الربح في الدنيا والآخرة علي الرغم ميلها إلي تعزيز قيم الاستقرار واحترام التراث والتقاليد, علي كل حال, لن نستطيع في هذا السياق ان نستوعب مفهوم الهوية إلا من خلال فهمنا الأعمق لمفهوم الذات ولن نستوعب مفهومي الذات والهوية, خامسا: وجود مسافة سلطة مرتفعة بين الحكام والمحكومين, حيث يتوقع وجود مرجعية ما, دينية أو عسكرية, للحكم أو تحالف بينهما تفرض رأيها علي الناس وتبعدهم من سلطة اتخاذ القرار مادام ماستفرضه عليهم ينبعث من مرجعية لاتقبل الجدال أو النقض.
المزيد من مقالات شاكر عبدالحميد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.