في ضوء ماقاله لاكان(1901 1981)( الفيلسوف والمحلل النفسي الفرنسي) تقوم الذات بالانشاء اوالتكوين لنفسها من خلال استخدامها الخاص للغة,انها اللغة التي جعلت منا بشرا كما قال بافلوف( عالم الفسيولوجيا الروسي) والتي لاتوجد ذات انسانية بدونها( كما قال عالم النيورولوجي جيرالد ايدلمان) تكلم حتي اراك هكذا كان سقراط يقول لمحاوره.. والمرء مخبوء تحت لسانه, فإذا تكلم ظهر, هكذا قال علي بن ابي طالب( رضي الله عنه) ومثله مثل هيجل,حدد لاكان الوضع الخاص بالوعي الانساني بأنه وعي يكون في حالة بحث دائم للوصول الي اليقين الذاتي, كما انه وعي يقوم بتحويل ذاته وعالمه, خلال محاولاته الوصول الي ذلك اليقين, ومثله مثل نيتشه, تبني لاكان فكرة وجود ذات وهمية او متخيلة تكون دائما علي شفير التمزق, وعلي حافة الفكك, ذات ترغب دائما في التمسك بذلك الوهم الخاص بالكلية, والذي انتقده الفيلسوف الالماني ماكس شتيرنر(1806 1856). تشكل الهوية الانسانية في جوهرها من خلال استراتيجيات شتي, هي استراتيجيات لغوية وتصورية استراتيجيات يستخدمها البشر كي يتحولوا من خلالها, الي اشخاص قادرين علي النشاط والوجود داخل السياق الاجتماعي الكلي. وفي ضوء ذلك كله, لايكون المعني الذي تنتجه الذات في شكل كلام اوكتابة نتاجا للخطاب الواعي الخاص بهذه الذات فقط. ولكنه ايضا محصلة لمدي كبير من السلاسل الدالة من المعاني التي تعمل فيما وراء ذلك الوعي, او بعيدا عنه ويترتب عليها ظهور مايسميه لاكان الذات المتكلمة إنها الذات كما تعبر عن نفسها من خلال اللغة, هي ذات مفعمة بالدوافع والرغبات كما اشارت الفيلسوفة الفرنسية جوليا كريستيفا فالذات المتكلمة لديها ولدي لاكان أيضا ليست منفصلة عن التاريخ أو الوعي, اوالضوابط الاجتماعية, أو اشكال الانتاج, اوالمجتمع الذي تظهر فيه هذه الذات بشكل عام. وكما اوضح لاكان أيضا فإن الحال الذاتية دائما حالةغير كاملة, وناقصة, ومن ثم فإنها تكون نفسها دائما من خلال عمليات وافعال التوحد والتمثيل الرمزية, ويلعب الفراغ دورا كبيرا لدي لاكان, والفراغ معناه: فقدان المعني, الافتقار الي المعني, العجز عن التوحد مع رموز ايجابية, ويرتبط وجود الفراغ بظهور الغرابة, وذلك لان الفراغ في ذاته غريب, صدع في المعني, مسافة بين المألوف وغير المألوف, بين العالم كما كنا نعرفه مألوفا قبل الفراغ, ثم كمااصبحنا نعرفه بعد الفراغ اوالصدمة اوالفقد اوالتغير الهائل الذي اصاب فردا ما أو مجتمعا ما, فجعله يعيش في حالة تشبه الفراغ, علي الرغم من امتلائها بالضجيج وكما نشهد ذلك في مصر الآن. هكذا يدخل الفرد في شبكة من العمليات الرمزية, وتتشكل هوية الذات من خلال حالة من الافتقار الي المعرفة, الافتقار الي المعني, النقص في التمثيل, سوء الفهم الجيد, العجز عن تعرف نفسها في الصور العقلية الخاصة بالانسانية, شعورها بالخوف من نفسها أو علي نفسها, من رعدتها, من مواجهتها لذاتها, لكن هذه الخبرة لدي لاكان جوهرية ايضا في تكوين بنية الذات وفي عملية التوحد, وذلك لان الفرد المنقسم هكذا, الناقص هكذا, العاجز هكذا, يسعي جاهدا, هكذا الي الوصول الي التعرف الي ذاته, الي المعرفة بذاته والعالم داخل النظام الرمزي من خلال سلسلة من عمليات التوحد, التي تكون ايضا غير كاملة في النهاية, وهذا جزء مهم من طبيعة الوجود في هذا العالم, اي الوجود مع الآخرين وبالآخرين, حيث الكل في واحد, والواحد من اجل خدمة الكل. وحيث ان اللغة هي التي جعلت منا بشرا, كما قال بافلوف, وهي التي لاتوجد ذات اوهوية بدونها كما قال ايدلمان, فإننا ندعو الآن الي ضرورة اجراء دراسة كبري حول مستويات اللغة الموجودة. الآن في الواقع المصري وذلك للكشف عن طبيعة الهوية الجمعية الموجودة داخل هذه الهوية الجمعية وانماط العلاقات الموجودة بين هذه الهويات المتعددة أيضا. لقد تعرفت مصر نفسها في لحظات نادرة من تاريخها خلال ثورة1919, وثورة1952, وانتصار اكتوبر1973, وخلال ثورة25 يناير2011, وبخاصة في ذلك الشعار الجميل الذي انطلق يشق عنان السماء: ارفع رأسك فوق انت مصري لكننا وجدنا ان الانقسام لم يلبث ان عاد, والتفكك مالبث ان رجع من جديد, هكذا اصبحنا نعيش في ظل انقسام طائفي,وفي ظل صراعات عقائدية وفكرية وسلطوية يؤججها افراد وجماعات من الداخل والخارج وبهدف تفتيت هذه الهوية التي تماسكت والتحمت خلال ثورة25 يناير2011. ربما كنا قادرين علي كشف علامات هذا الانقسام وملامحه لوقمنا بفحص وتحليل لغة البرامج الحوارية التليفزيونية ولغة مسلسلات التليفزيون وبخاصة في رمضان, ولغة الشارع وبخاصة لغة الشباب, ولغة الصحافة المكتوبة, ولغة المواقع الالكترونية وعلي نحو خاص التعليقات التي يكتبها قراء هذه المواقع المختلفة,ولغة التواصل الاجتماعي وبخاصة الفيس بوك والتويتر والمدونات وغيرها. هذه وغيرها مصادر للدراسة والبحث واستخلاص الدروس والمفاهيم والأفكار حول كيف ان لغة الناس في مصر الآن تكشف عن وجود هوية منقسمة, هوية تبحث عن نفسها, لكنها تبحث عنها داخل منظور زمني منغلق, متوجه نحو الماضي علي نحو خاص كما انه منظور يكشف عن نزعة إقصائية عنيفة للآخر المختلف, وكذلك عن نوع من التمركز حول الذات والغرور وربما البارانويا التي تشي بميول مرضية, وهي ميول قد تأخذ هذه الهوية وتطيح بها بعيدا عن مسارها التكاملي الصحيح المنشود وقد تدمرها ايضا وتقذف بها خارج العصر. وبشكل انطباعي عام ومن خلال الربط بين افكار مفكرين امثال هوفسيد ولاكان وبيرفين وغيرهم من العلماء الذين اهتموا بموضوع الهوية, اضافة الي افكارنا الخاصة وملاحظاتنا لما يحدث في مصر الآن, وفي ضوء ماسبق كله كذلك يمكننا قول مايلي: اولا: إنه لايمكننا القول بوجود هوية مصرية واحدة الآن, بل هويات مختلفة متنافرة, ربما كانت تلك الهوية الموحدة موجودة في أيام ثورة25 يناير2011, لكنها هوية قد انقسمت الآن الي هويات متعددة: بعضها ديني وبعضها ليبرالي وبعضها علماني, بعضها يساري, وبعضها فوضوي, او عدمي, وبعضها الأعم صامت يراقب. ثانيا: إنه يمكن تحليل لغة خطاب هذه الهويات من خلال صحفها ان وجدت ومن خلال شعاراتها وبرامجها الانتخابية واللغة السائدة في تجمعاتها ومن خلال البرامج الحوارية والقنوات الفضائية التي تعبر عنها او تعبر من خلالها هذه الهويات عن نفسها. ثالثا: تكشف هذه اللغة الخاصة بكل ذات متكلمة من هذه الذوات او الهويات عن شعور متعاظم بالأنا وعن هيمنة واضحة للنزعة الإقصائية للآخر المختلف عنها. رابعا: قد تستعين هذه الذات المتكلمة وخاصة لدي اصحاب الخطاب الديني بالتهديد للآخرين وبالملابس والأشكال التعبيرية الأخري المميزة لأصحاب هذه الهوية بالمقارنة بغيرها. خامسا: تكشف لغة الذات المتكلمة الخاصة بالهويات المختلفة هنا عن نزعة براجماتية محدودة, نزعة تكتيكية وليست استراتيجية تريد من خلالها ان تستولي علي السلطة وتقصي عن طريق هذا الهويات الاخري, المشتركة معها في العرض. سادسا: تكشف هذه اللغة أيضا عن نمط مغلق من التفكير اللغوي الاجتراري المتتابع المتكرر والمتسامح والمرونة العقلية وعن غياب واضح للخيال السياسي والإبداع الاجتماعي, من خلال تلك البرامج الانتخابية الجامدة المعروضة علينا الآن. سابعا: أنه لابد لهذه الهويات المنقسمة أن تكشف عن طريق الحوار وتكتشف طرائق وطرقا مشتركة تربط بينها وتوحد من أجل صالح هذا الوطن ومستقبله. أنظر إلي شكل السلطة المتوقعة في مصر من خلال الفترة المقبلة ولسوف نري أن الهوية المتوقعة في ضوء ذلك هي هوية يهيمن عليها: أولا: تغليب النزعة الفردية الخاصة بجماعة معينة علي المطلب الجمعي الخاص بالشخصية الكلية التي تضم هذه الجماعة أو تلك مع الجماعات الأخري المختلفة عنها في الدين أو التوجه السياسي, ثانيا: الانفعالية والتبسيطية في مواجهة مواقف القلق والخوف وانعدام اليقين من خلال الاتكاء علي خطاب ماضوي ديني ثوابته أكثر من متغيراته, بينما نجد أن العالم من حولنا متغيراته أكثر من ثوابته, ثالثا: النزعة الأبوية الذكورية الميالة لاستعراض القوة والصوت العالي واستبعاد قيم التواضع والعطف علي الآخر المختلف وهي القيم التي تؤكدها الأديان السماوية عامة, رابعا: التوجه قصير المدي بدلا من التوجه طويل المدي, حيث الاهتمام هنا لدي هذه الذات التي توشك ان تهيمن بالماضي أكثر من المستقبل, إضافة إلي تبنيها قيما رأسمالية تقوم علي أساس مراكمة الربح في الدنيا والآخرة علي الرغم ميلها إلي تعزيز قيم الاستقرار واحترام التراث والتقاليد, علي كل حال, لن نستطيع في هذا السياق ان نستوعب مفهوم الهوية إلا من خلال فهمنا الأعمق لمفهوم الذات ولن نستوعب مفهومي الذات والهوية, خامسا: وجود مسافة سلطة مرتفعة بين الحكام والمحكومين, حيث يتوقع وجود مرجعية ما, دينية أو عسكرية, للحكم أو تحالف بينهما تفرض رأيها علي الناس وتبعدهم من سلطة اتخاذ القرار مادام ماستفرضه عليهم ينبعث من مرجعية لاتقبل الجدال أو النقض. المزيد من مقالات شاكر عبدالحميد