التعليم العالي: انطلاق أولى فعاليات التدريب لطلاب مبادرة "كُن مستعدًا"    عدد أيام إجازة المولد النبوي الشريف.. تعرفوا عليها    كامل الوزير يتفقد اعمال التشطيبات لمحطات الخط الأول للقطار الكهربائي السريع    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعترض صاروخًا باليستيًا أطلق من اليمن    الدوري الإنجليزي.. جيوكريس يقود تشكيل أرسنال الأساسي ضد مانشستر يونايتد    تدعيم الوسط مستمر.. أهلي جدة يستهدف صفقة سويسرية    خلال 24 ساعة فقط.. وزارة الداخلية تكشف جرائم هزت الشارع المصري    نادين الراسي في وصلة رقص وانسجام بحفل أصالة نصري | شاهد    الولايات المتحدة تعيد تموضعها العسكري في العراق وسط تصاعد التوترات الإقليمية    الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي يتجاوز تريليونين و143 مليار دولار    رئيس محكمة النقض يَستقبل رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات للتهنئة    بعثة المصارعة النسائية تصل بلغاريا للمشاركة في بطولة العالم    نائب إيراني: أوروبا في مرمى صواريخنا وواشنطن ونيويورك ليستا ببعيدتين    إغلاق 8 مراكز غير مرخصة لعلاج الإدمان والطب النفسي بالجيزة (تفاصيل)    الولايات المتحدة.. إطلاق نار في بروكلين يخلف 3 قتلى و8 جرحى    الجوزاء والأسد.. 5 أبراج غيورة على شريكها (تعرف عليهم )    وصفات منعشة وصحية في الصيف.. طريقة عمل التين الشوكي عصير وآيس كريم (فيديو)    «صحة الإسكندرية»: إعداد خطط تطوير شاملة للمستشفيات وتفعيل غرف منسقي الطوارئ (صور)    جولات تفقدية لرئيس مياه الشرب والصرف بأسوان لمتابعة المحطات والروافع في ظل ارتفاع الحرارة    «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر أغسطس 2025    أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    مستشفى قها التخصصي ينقذ طفلة من فقدان ملامح أنفها بعد جراحة دقيقة    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    وزير العمل يفتتح ندوة توعوية بقانون العمل الجديد ويؤكد: مشاركة الجميع في صياغة القرارات    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    وزير الثقافة يعلن عن بدء الاستعدادات لإطلاق مؤتمر وطني عن الذكاء الاصطناعي    وزير السياحة: ضوابط جديدة للمكاتب الصحية بالفنادق.. وافتتاح تاريخي للمتحف المصري الكبير نوفمبر المقبل    توجيهات حاسمة من السيسي لوزيري الداخلية والاتصالات    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس وزراء إسبانيا يقطع عطلته الصيفية لزيارة المناطق الأكثر تضررا من حرائق الغابات    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    ريال مدريد يخطط لبيع رودريجو لتمويل صفقات كبرى من البريميرليج    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    فيضان مفاجئ في شمال الصين يخلف 8 قتلى و4 مفقودين    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    مهرجان شرم الشيخ للمسرح يعلن تفاصيل مسابقة «أبو الحسن سلام» للبحث العلمي    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    تعليق طريف من خالد الغندور على تألق محرف الزمالك    إصلاح الإعلام    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل المواهب والغد الجميل الآتي

حياة المفكرين والأدباء تفيض بالرؤي‏,‏ وتلهم الإنسان بغد أكثر إشراقا وجمالا‏.‏ وهذه هي الرسالة النبيلة للأدب والفكر‏,‏ وهي الهدف الأسمي للسياسة‏,‏ ذلك أن الغاية الكبري للسياسة أن تشق دروبا ومسالك يمضي عليها الإنسان نحو تحقيق أسباب سعادته‏..‏ بما يوفره الحكم الرشيد من ديمقراطية وعدالة اجتماعية‏.‏ وأنبل المفكرين والكتاب أولئك الذين يعملون في دأب من أجل استشراق آفاق المستقبل, ويكرسون حياتهم لتبصير الإنسان بقضاياه, ويبذلون قصاري فكرهم وجهدهم لإماطة الأذي عن الطريق.
ولعل الكاتب الصحفي والروائي البريطاني ه.ج. ويلز يتبوأ مكانة مرموقة بين هؤلاء المفكرين والأدباء النبلاء, فقد ظل طوال أكثر من نصف قرن يضئ شعلة التنوير الثقافي, ونشر في خلالها أكثر من مائة كتاب, وانخرط انخراطا عظيما في شئون العالم, وليس أدل علي ذلك من أنه التقي مع كل من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت, والزعيم السوفيتي جوزيف ستالين, في محاولة لتقريب وجهتي نظرهما تجاه القضايا والمشكلات الدولية.
وقد اضطلع بهذه المحاولة في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين.
وكانت شهرة هذا الكاتب الموهوب قد دوت في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر, وسطعت أفكاره المستنيرة في خلال النصف الأول من القرن العشرين, وهو قرن اضطربت في خلاله الدنيا اضطرابا شديدا, فقد كابد أهوال حربين عالميتين, وعاني من جراء أزمة اقتصادية خانقة, هي أزمة الركود العظيم.
ووسط هذه الأجواء من الأزمات الكونية الحادة, كان ه. ج. ويلز يسعي عبر توهج خياله وعمق بصيرته الي المساهمة الخلاقة في استشراف آفاق جديدة للانسان.
والجدير بالتأمل أن ه.ج.ويلز كان إبان طفولته وصباه يطارد الفقر ويطارده, فقد كان أبوه بقالا بسيطا, أما أمه فكانت خادمة, ومن ثم عاني الفتي من شظف العيش, لكنه كان طالبا ذكيا ومجتهدا, وتمكن من الفوز بمنحة دراسية مكنته من الالتحاق بالجامعة, ودراسة علم الاحياء.
وتلك كانت نقطة الانطلاق الأولي في حياته, فقد أقبل علي دراسته العلمية بشغف عظيم, وعندما أنهي دراسته الجامعية عام1890 تعثر في الحصول علي وظيفة مناسبة.
{{{
ولم يجد مخرجا من خيبة أمله, سوي بالتحليق في فضاءات الخيال, وأبدع روايته الأولي آلة الزمن, التي نشرها عام1895, وكانت فتحا عظيما, فقد ذاع صيته الأدبي, ونصبه النقاد خليفة للروائي الفرنسي الشهير جوول فيرن(1872 1904) رائد روايات الخيال العلمي, ومن أشهرها.. حول العالم في ثمانين يوما, ورحلة الي مركز الأرض, ومن الأرض الي القمر.
وهنا يقلب الكاتب ديفيد لودج صفحات رواية آلة الزمن, ويبدأ في كتابة سيرة ذاتية عن ه.ج.ويلز تحت عنوان مثير رجل المواهب, ونشر الكتاب أخيرا, ويشير فيه الي أن ويلز حظي باقتدار بلقب الرجل الذي اخترع الغد.
وقد نشر ويلز مجموعة متميزة من روايات الخيال العلمي تمكن خلالها من توقع حدوث الغارات الجوية, وانتاج القنبلة الذرية, بل انه أشار الي إمكان اختراع شبكة الانترنت, وهو ما يفطن إليه من يقرأ رواياته: آلة الزمن, وجزيرة الدكتور مورو, والرجال والقمر, وحرب العوالم.
وكان ويلز يرتكز في مسيرته الأدبية والسياسية الي دعامتين أساسيتين هما العلم والتعليم, فهما السبيل الي بناء المستقبل المنشود, والاقتراب من مشارف أحلام الفردوس الأرضي, ويبدو هذا بوضوح في روايته يوتوبيا حديثة التي نشرها عام.1905
ولو تصورنا أن موهبة ه.ج.ويلز اقتصرت علي ابداع روايات الخيال العلمي, فإن ذلك ربما كان يكفي لدخوله مملكة الأدب السحرية من أوسع أبوابها.
ولكن ويلز هبط منذ مستهل القرن العشرين من مدارات الخيال العلمي الي أرض الواقع, وصال وجال في دنيا الفكر السياسي, فقد انضم عام1903 الي عضوية الجمعية الفابية البريطانية, التي كانت تدعو الي الاشتراكية التي تتسم بالتدرج وتجنح الي الاعتدال.
ومعني هذا التحول الفكري, ان اهتماماته الثقافية تركز علي كتابة المقالات والنشرات السياسية, وحتي تتضح دلالات هذا التحول, قد يمكن الإشارة الي أن الجمعية الفابية قد أسهم في تأسيسها عام1883 الكاتب البريطاني الشهير برنارد شو, وهو من تمكن عام1889 من اقناع المفكر سيدني ويب وزوجته بالانضمام إليها, ومن ثم; قامت الجمعية الفابية بدور فعال ومؤثر في نشر الأفكار الاشتراكية المعتدلة.
وكان أبرز تأثير لها أن حزب العمال البريطاني خرج من رحمها الفكري والسياسي.
غير أن ويلز لم يستمر طويلا في رحاب الجمعية الفابية, ويعزي ذلك الي أنه كان يصر علي أن تدعو الي قضية تحرير المرأة, غير أن برنارد شو كان يري أن تقتصر علي الدعوة الي الاشتراكية.
{{{
وما إن اندلعت الحرب العالمية الأولي عام1914, حتي كدرت وقائعها صفو حياته, وروعه مستقبل البشرية الذي تحدق به المخاطر, ومن ثم اعتبر التعليم والعلم طوق النجاة للأجيال القادمة, واهتم بدراسة تاريخ العالم, وأصدر كتابه المهم معالم التاريخ عام1920, وعكف طويلا علي تأليف كتاب العمل والثروة وسعادة البشر, ونشره عام.1932
وكانت نهاية عقد الثلاثينيات صعبة وعسيرة, بالنسبة له.. فقد بدأ استبشاره بالغد يتلبد بالغيوم وخيمت عليه سحابة كثيفة من القلق والخوف علي مستقبل البشرية والحضارة.
وعصفت به المخاوف, عندما اشتعلت الحرب العالمية الثانية التي فجرها النازي الألماني أدولف هتلر, وبرغم أن ويلز شهد اندحار النازية والفاشية في أوروبا, وأتاه نبأ هزيمة ألمانيا النازية, وانتحار هتلر في ابريل1945, إلا أنه لم يبرأ من صدمة الحرب وفظائعها وجرائمها.
ومات حزينا عام.1946
لكن أسطورة روايات الخيال العلمي التي أبدعها لم تمت, وانما ازدهرت, وتألقت.
وكان آخر ما كتب قبل أن يلفظ انفاسه الأخيرة مقالا صحفيا يحذر فيه من كارثة انتاج القنبلة الذرية, وكان قد فطن الي آثارها المدمرة عندما قصفت أمريكا مدينتي نجازاكي وهيروشيما في اليابان بقنبلتين ذريتين في نهاية الحرب العالمية الثانية.
إن ه.ج.ويلز ظل حتي الساعات الأخيرة من حياته مهموما بمستقبل الإنسان وسعادته.
وهذا هو الكاتب الحقيقي, وتلك هي رسالته النبيلة.
المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.