مخطئ من يظن أن الأسرة غير مطالبة بتربية أبنائها سياسيا, ولا تجاوز إذا قلنا غوغائية الحوار التي تعيشها مصر الآن يتحمل مسئوليتها الأم والأب معا, اللذان لم يعلما أبناءهما منذ طفولتهم معني الحوار وإن الاختلاف في الرأي لا يعني الخصومة.. ولا يعني العداوة التي تقتضي حسم الحوار بطلقة من مسدس أو بطعنة من مطواة. لكن ما فات مات ومثلما تسبب الأهل في هذا الموقف الذي يتساوي فيه المثقف مع رجل الشارع, هذا الموقف يمكن استدراكه بتبني الاهل مبدأ الحوار في البيت لتعليم الأبناء أدابه.. لكن هل هم مؤهلون كما ينبغي للقيام بهذا الدور علي أكمل وجه؟ سؤال نحاول البحث له عن إجابة. في البداية ينبغي ألا تنزعج من الحوار الحاد ومقولة أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية هي مجرد نصيحة, لأن الاختلاف في الرأي يفسد للود قضية, فالإنسان يحب أن يجد لرأيه هوي وموافقة, وبالتالي إذا لم يجد الرأي هذا الهوي وتلك الموافقة, فمن الطبيعي أن يضيق بذلك. هذا ما يقوله د. قدري حنفي أستاذ علم النفس السياسي بجامعة عين شمس مؤكدا أن الحوار قائم علي أشده في مصر الآن ولأول مرة المصريون يتحاورون بجدية حول مستقبلهم عبر التاريخ. ففي الماضي كنا نوافق أو نعترض لكننا لم نكن ننشغل بصناعة المستقبل, بمعني أن المستقبل كان يصنعه آخرون( الرؤساء والملوك والقادة) ونحن نقبل أو نرفض فقط. الآن نحن نشارك في محاولة صنع هذا المستقبل ومن الطبيعي أن نشهد ارتفاع نبرة الحوار لأن الأمر علي درجة كبيرة من الأهمية ومهما يكن التجاوز فهو أفضل من الصمت. وإذا عدنا للحديث عن الأسرة والحوار البناء بين أفرادها أتذكر بحثا مهما قمنا به في الجامعة, وكنا نسأل فيه الآباء والأمهات سؤالا محددا: ماهي خصائص الطفل الجد من وجهة نظرك؟ وأذكر أن الصفة التي أجمعت عليها الأغلبية هي الطاعة ولم يذكر أحد علي الاطلاق أنه يريد طفلا يجيد التحاور.. ويناقش ويعترض أحيانا.. هذه هي المشكلة من وجهة نظري, فينبغي ألا نفرح كثيرا بطفل يطيعنا دون مناقشة. وبالتالي علينا أن ننبه إلي أن مدارسنا وبيوتنا ومساجدنا وكنائسنا ونوادينا تكاد تخلو من التدريب علي الحوار, وبرغم ذلك فإن الشعب المصري بتلقائيته وبمخزونه الحضاري استطاع أن يفرز شبابا فاجأونا جميعا بأرقي أنواع الحوار الدائر في ميدان التحرير أيام الثورة. ويري د. عاطف العراقي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة أن الحوار يكاد يكون مقطوعا ليس في الأسرة فقط ولكن في المجتمع بوجه عام, فلغة الحوار الآن تسودها القوة, ومحاولة الدفاع عن الرأي الخاطئ, وإذا قارنا بين الأسرة المصرية أو العربية وبين الأسرة الاوروبية نجد فروقا شاسعة في التربية داخل كل أسرة من الأسرتين.. فالحوار الهادف السلمي مفقود داخل الأسرة المصرية للأسف الشديد لأنه لا توجد مساواة بين الرجل وزوجته, فالأطفال يتعلمون التهديد بالقوة من جانب الزوج( الأب) لزوجته, وبالتالي ينتقل هذا السلوك إلي المجتمع, وأنا علي يقين من أن لغة الحوار واحترام كل فرد من أفراد الأسرة للآخر سيؤدي إلي الالتزام بالحوار السلمي داخل المجتمع. ولا أتردد في القول بأن الأسرة والمجتمع المصري لن ينصلح حالهما إلا بتعلم لغة الحوار من أوروبا, فمن النادر بل من المستحيل أن يرتفع صوت الزوج علي زوجته في الأسرة الأوروبية وأيضا لا يمكن أن نجد حوارا يقوم علي أسس من التهديد بالقوة داخل الأسرة الأوروبية. ويؤكد أستاذ الفلسفة ضرورة وضع دستور للتعامل داخل الأسرة, وتعليم الطفل كيف يكون سلوكه في المدرسة والجامعة امتدادا لسلوكه في البيت فهذه هي الخطوة الأولي نحو التقدم وبناء المجتمع السليم.