إذا كان هناك اختلاف بين البعض علي اعتبار التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية عبث بالأمن القومي, فالكل يؤكد أن السماح لهذه الجمعيات بالعمل داخل المؤسسات التعليمية خاصة في مراحل التعليم قبل الجامعي, وإجراء البحوث علي الطلاب عبث بمستقبل الأمن القومي للبلاد... فمنذ فترة جاءتني إحدي القائمات علي العملية التعليمية, والمهمومات بشئون الوطن, وهي قلقة, وقدمت لي( برشور), وبعض الأوراق, والتي هي عبارة عن طلب مقدم من إحدي مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في مجال التنمية البشرية للقيام بتطبيق برنامج اكتشاف الموهوبين ورعايتهم, وعلي الرغم من وجود موافقة رسمية من وزارة التربية والتعليم نظرا لطبيعتها الحريصة إلا إنها أرادت أن تعرف معلومات كافية, وخلفية هذه المؤسسات وبحثت عن أسماء القائمين عليها. وبالبحث توصلت إلي أن رئيس مجلس إدارة هذه المؤسسات أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية جيل المستقبل, ليس هذا ما أقلقها, ولكن لكون هذه المؤسسة حديثة, وتأسس فرعا لتنمية الموهوبين بعد اتفاق تعاون ودعم من إحدي الجامعات الأمريكية. وأن هذا المشروع عبارة عن اختبارات ذكاء سوف تطبق علي الطلاب في المدرسة من قبل فريق من الأجانب, وسألتني ماذا تفعل؟ فأجبتها عن ضرورة رفض هذا العرض, حتي وإن كانت هناك موافقة من رئيس الوزراء, وليس وزير التربية والتعليم. لقد شغلني هذا الموضوع كثيرا وتساءلت ماذا لو لم تكن هذه السيدة بهذا الوعي. أو هذا الحرص علي الصالح العام. وإذا لم تكن مسئولة عن مدرسة خاصة لها حرية الاختيار. فالمدارس الحكومية ملتزمة بتعليمات الوزارة دون نقاش. لقد تتبعت هذا الموضوع وعلمت أن بعض المدارس وافقت إما تبعا للتعليمات أو انبهارا بكل ماهو أجنبي.. وبعيدا عن نظرية المؤامرة, يجب الإشارة إلي أن المؤسسات التعليمية يجب أن ينظر إليها كما ينظر للمؤسسات العسكرية, من حيث أهميتها للأمن القومي, فإذا كنا نسمح بدخول هيئات أجنبية بين الجنود والتواصل معهم وإجراء البحوث عليهم. دون أن يمثل هذا تهديدا للأمن القومي فلنسمح بدخول الجهات الأجنبية بمؤسستنا التعليمية, قبل أن ترتفع الأصوات بأن هذا انغلاق وأنه يجب أن يكون هناك تبادل خبرات, وأن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بالمساهمة في تطوير التعليم.... الخ. أريد فقط الإشارة إلي أنه لايجوز أن يقع الطلاب تحت اختبارات أو تجارب هيئات أجنبية, كما أن أي دعم يقدم للمؤسسات التعليمية يجب أن يقدم في صورة دعم مادي من خلال توفير احتياجات المدارس من وسائل تعليمية حديثة أو أثاث... الخ, علاوة علي أن الدعم الفني وتبادل الخبرات يتم من خلال تدريب القائمين علي العملية التعليمية والمعلمين, ومن خلال أنشطة محددة ومقننة بين مجموعة من الطلاب, وعموما نحن لسنا في حاجة إلي جهات أجنبية لاكتشاف الموهوبين, حيث يوجد مراكز لرعاية واكتشاف الموهوبين في بعض الجامعات المصرية, كما يوجد في وزارة الثقافة مركز لرعاية الموهوبين, ولا أعرف ما هي طبيعة عمله إذا لم يكن هذا هو دوره داخل المؤسسات التعليمية. هناك الكثير يمكن قوله في هذا الموضوع ولكن اترك ذلك لأهل الاختصاص. هناك إضافة مهمة يجب الإشارة إليها, وهي أن الباحثين المصريين يجدون صعوبة بالغة في الدخول إلي المدارس للقيام ببعض البحوث الإجرائية, ولقد عشت هذه التجربة طوال فترة دراستي.. وأنا هنا أتساءل هل كان سيادة الوزير سوف يقابل مجموعة من الشباب الباحثين ويسمح لهم بالدخول إلي المدارس بهذه السهولة, كما فعل مع المسئولين في هذه المؤسسة؟