الصين ليست دولة نووية بالمفهوم التقليدي الغربي... والغرض من قدراتها النووية أمر واحد فقط هو الرد الانتقامي علي أي هجوم نووي..وأفضل ما يصف الاستراتيجية النووية للصين هو إستراتيجية الدفاع عن النفس هكذا حدد الجنرال لو ين, الباحث بمعهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني الصينية, موقف بلاده من التسلح النووي. ورغم التأكيدات الصادرة بين الحين والآخر من مسئولين صينيين بأن الترسانة النووية الصينية هي لأغراض دفاعية بحتة إلا أن عدم الشفافية والغموض الذي يحيط بحجم هذه الترسانة وحجم الانفاق العسكري يبقي مصدرا للعديد من التخمينات, من قبل الولاياتالمتحدة والغرب من جهة ودول الجوار الاقليمي من جهة أخري, حول البرنامج النووي لبكين. ومنذ اجراء اولي تجاربها النووية في أكتوبر1964 تبنت الصين طريقا مختلفا باتجاه تطوير قدراتها النووية وذلك مقارنة بالولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي السابق بمعني أنها لم تعتمد علي امتلاك ترسانة نووية ضخمة تضم الآلاف من الرءوس النووية الإستراتيجية والغواصات القاذفة بل اتبعت إستراتيجية الردع الأدني' مع التأكيد علي التعهد بأنها لن تكون أول من يبدأ بالهجوم النووي. وتشير آخر التقديرات إلي أن حجم الترسانة النووية الصينية مازال صغيرا 240 رأسا نوويا يمكن اطلاقها بواسطة صواريخ باليستية عابرة للقارات إلا أن بكين كرست جهودها في الآونة الأخيرة لتطوير قدراتها النووية وتحديثها. ويري بعض المحللين أن حرص بكين علي تطوير قدراتها النووية يهدف إلي الحصول علي اعتراف دولي بمكانتها كقوة كبري في العالم الحديث كما يضمن لها مكانا في الهيئات والمنظمات الدولية الموثرة. كما أن التحديث الحالي للترسانة النووية الصينية سوف يؤمن لبكين الانتقال من' الردع الأدني وعدم البدء بالهجوم' إلي دور نووي أكثر نشاطا في المستقبل. ويشير المحللون إلي أن هناك العديد من العوامل التي قد تدفع الصين إلي اجراء تغييرات جذرية في حجم ودور ترسانتها النووية وهو ما قد يتطلب انتباها أكبر من السياسيين الغربيين. فمن المنظور الصيني تمثل الولاياتالمتحدة تهديدا كبيرا وذلك علي الرغم من تأكيد واشنطن, تحت إدارة الرئيس باراك أوباما, علي السعي لخفض عدد الأسلحة النووية التي تمتلكها. ولكن الواقع يشير إلي أن الولاياتالمتحدة في اطار التزامها بالحفاظ علي امتلاك' رادع نووي موثوق به' قادر علي التصدي لأي تهديد في المستقبل المنظور يتحتم عليها تحديث أنظمة اطلاق الصواريخ النووية التي تقادمت والبنية التحتية للمنشآت النووية في وقت قريب. ويوضح مالكوم دافيس الخبير بالعلاقات الصينية الغربية بجامعة كوينسلاند الاسترالية أن الولاياتالمتحدة قد تختار في الفترة المقبلة التركيز علي تطوير الأسلحة التقليدية طويلة المدي وهو ما يمنحها, بجانب درع الدفاع الصاروخية, القدرة علي توجيه ضربات لأي منشآت عسكرية نووية علي الأراضي الصينية والتصدي لأي غارات انتقامية من جانب الصين. ويشير دافيس إلي أن احتمالات شن غارات تقليدية أمريكية علي الأراضي الصينية في اطار' هجوم جوي بحري' يهدف إلي التشويش علي أنظمة الرصد والرد الصينية تؤدي إلي أثارة قلق الصينيين ازاء مدي فعالية نظامها للردع النووي ونجاته من الهجوم المحتمل. والولاياتالمتحدة ليست الهم الوحيد للصين والتي تواجه تحديات نووية متنامية علي حدودها لا يمكن تجاهلها. فالهند تسعي هي أيضا إلي تحديث قدراتها النووية. واليابان عامل آخر في الحساب النووي حيث تخشي بكين من أن تجر طوكيو إلي استراتيجية الاحتواء الأمريكية لمواجهة الصين وبالتالي فإن أي انتشار للصواريخ الدفاعية في اليابان قد يستفز بكين لزيادة اعداد أسلحتها. كما أن اليابان, رغم نبذها للأسلحة النووية, تخزن كميات ضخمة من البلوتنيوم وتتمتع بالريادة في مجال تكنولوجيا الانصهار وبالتالي لديها قدرة علي انتاج أسلحة نووية في وقت قصير. وسواء اختارت الصين الابقاء علي استراتيجية الردع النووي الأدني في مواجهة الولاياتالمتحدة ودول الجوار أو الانتقال إلي درجة ردع أعلي فإن الأمر المؤكد أن بكين ستواصل السعي للتفوق علي قدرات الخصوم, خاصة الولاياتالمتحدة, من خلال الحرب الإلكترونية وتطوير قدراتها في مجال تكنولوجيا الفضاء فضلا عن تعزيز نفوذها الاقتصادي.