التنبؤ الأمني بالاضطرابات قبل إندلاعها يسهل احتواءها ويقلل نتائجها, وهو علم شرطي جديد تدخل فيه مؤشرات عدة وقياسات علمية بالإضافة إلي خبرة الحدس الأمني, بهذا العلم يمكن نزع فتيل الانفجار الشعبي قبل حدوثه وتجنب نتائجه الفادحة علي الأرواح وخسائره علي الاقتصاد والتي تطول الجميع اللواء الدكتور فيردون محمد نجيب هو أحد كبار المتخصصين في العلوم الأمنية, وله في هذا المجال أكثر من22 كتابا و80 بحثا, ويقوم بتدريس مادة صنع القرار الأزموي في أكاديمية الشرطة.. وهو يري أن التنبؤ الأمني بالاضطرابات العارمة يعتمد علي قياسات دقيقة للرأي واتجاهات الرضا والسخط لدي المواطنين, ويري أن منحني الخطر يصل إلي أقصاه حين يصل معدل ماينفقه المواطن علي الطعام60% من دخله.. وإلي الحوار.. ماهو تعريف التنبؤ الأمني كعلم وكعمل؟ التنبؤ الأمني هو محاولة علمية لفك الغموض وتقليل المخاطر من خلال تقدير قائمة علي تحليل البيانات والمزج بين مهارة استخدام الأساليب الكمية للقياس بمساعدة الحواسب في تحليل الماضي مع إدخال المتغيرات القائمة والمستجدة من قرارات وأحداث داخلية وخارجية وقياس درجة الرضا والسخط الشعبي عليها بعد كل ذلك يتم وضع البرامج التي تعتمد علي الحدس الأمني المكتسب من خلال التعامل المباشر مع الجماهير. كيف تفسر الاضطرابات الحالية؟ الاضطرابات العارمة موجات متلاحقة ولم تقتصر علي العالم العربي وحده ولكنها في كل دول العالم وحتي في أكثرها تقدما وهو كرة لهب تلقي في حجر الأمن ويتحمل كل تباعياتها وتداعياتها والمحرك الرئيسي لها هو القرارات الاقتصادية والسياسية والتدخلات الخارجية وأيضا المثيرات الحضارية بالعالم عبر السموات المفتوحة وشبكة النت التي تثير في الأنفس حالة من المقارنة الجماعية والفردية لدي الشعوب والأفراد فتؤدي إلي انتقاصا من حالة الرضا الشعبي وتتطور إلي حالة من السخط. وماهي قواعد هذه المعادلة في التنبؤ؟ الرضا والسخط الشعبي طرفين في معادلة صفرية, زيادة الأول تترتب عليها تلقائيا نقص الثاني, ولاتعني حالة الرضا أن جميع الأفراد راضون بنفس الدرجة والعكس صحيح, وعليه فإن قياس كليهما تعكسه الأغلبية الساحقة. وكيف يتم القياس كميا؟! إذا أمكن إعداد مؤشر مركب يعكس قدر الرضا الشعبي عبر الزمن من خلال تدرج رقمي يتراوح مابين السالب يعني( بالناقص) وحالة الرضا الكامل, ويعطي هذا المؤشر6 حالات تبدأ من حالة التوازن الأمني ثم عدم الرضا ثم التوتر أو الاحتقان ثم التهيؤ للانفجار ثم الانفجار وتنتهي بالاتجاه نحو توازن جديد انحسار حالة التوتر. وكيف يمكن قياس كل حالة من هذه الحالات في بحر متلاحم من أمواج القرارات والأحداث اليومية في بلد كبير كمصر أو حتي بلد صغير كالبحرين؟ توصف كل حالة وحسابيا مع قياس ردود الفعل اليومي حيث تتميز حالة التوازن الأمني بقناعة الغالبية الساحقة بالأوضاع السائدة, وتتكيف معها حيث تكون درجة الرضا الشعبي مابين+2 سخط شعبي بين 10 رضا شعبي وهنا ترتفع قدرة المجتمع علي تقبل الأحداث الاستفزازية وتمتصها. هل يمكن اعتبار النكات؟ اللاذعة والاحجام عن المشاركة مؤشر علي حالة عدم الرضا؟! النكات والاحجام عن المشاركة مؤشرين قويين لعدم الرضا وهي المرحلة الثانية يضاف لها المظاهرات والمدونات والانتقادات المعلنة للحكومة في الجلسات العامة وضعف الولاء وانخفاض الانتاج العام وكلها وسائل مختلفة تعبر بها الأغلبية الصامتة عن عدم رضاها علي أوضاع غير عادلة, والمؤكد أن انتشار عدم الثقة بالحكومة والتشكيك في نواياها وقرارتها يزيد من أعدائها ويحفز القوي المناوئة والمعارضة علي الانقضاض علي السلطة بغية السيطرة وإعادة ماتراه مختلا وخلال فترة قصيرة يتزايد السخط الشعبي مقابل الرضا ويتهيئ الوضع للانفجار ويساعد عليه عنف سيطرة القوي الحاكمة أمام القوي المناوئة التي تستغل الحساسية الشديدة للغالبية الساحقة تجاه الأخطاء الشرطية فتفحمها وهو مايرفع معدل السخط الشعبي. واللحظة الخطيرة هي تلك التي تري فيها القوي الصامتة والمحايدة أنه ليس لديها ماتخسره فتنضم للقوي المناوئة وتصبح خسارة الطرف الثاني( السلطة) هي مكسبا للجميع. وماهي العوامل التي تساعد علي الانفجار؟! في كل الاضطرابات العالمية يأتي ارتفاع نسبة الانفاق علي الطعام والمسكن إلي60% من دخل العائل هو المؤشر علي الاحتقان المؤهل للانفجار حيث يأتي الطعام والسكن في قاعدة( ماسلو) في بداية الاحتياجات الاساسية ويليها الأمن, والأمان ثم الحاجات الاجتماعية الأخري ليصل في قمته إلي الرغبة في تحقيق الذات وبالتالي يتم ترتيب الاجراءات في زيادة الرواتب والمعاشات تشغيل العاطلين, خفض أسعار السلع الضرورية الاعفاء من المديونيات توزيع المساكن عزل المسئولين ومحاكمة الفاسدين. وماهو دور الأمن في ذلك وماهي تكلفته في دائرة الاقتصاد؟ هنا يجب أن يسبق البعد الأمني كل الأبعاد الأخري لأن تكاليفه ستصبح أقل من تخفيف آثار الانفجار وهذا يتم بحسابات اتخاذ القرار الأزموي وتكون فيه منطقة وسط من الخبراء والمتخصصين الذين يدرسون ردود الأفعال لقياس درجة السخط ثم يطرحون علي متخذ القرار بدائل يعمل بها وقد توضع سيناريوهات لحلول عدة. وماهي السيناريوهات؟ منها بالطبع سيناريوهات الامتصاص حيث تلجأ السلطة إلي تقديم تنازلات واضحة بما يحقق للقوي المناوئة والرافضة الحد المضمون لها من الحقوق, وهذا أفضل بالتأكيد من المغامرة بانتظار لحظة الانفجار, ويعتمد هذا السيناريو علي الجانب الاقتصادي بمنح مكافآت ومزايا للعاملين وتشغيل للعاطلين وتوزيع الأراضي وتقليل الضرائب وإسقاط الديون وعلي الجانب السياسي يتم استخدام الجولات الجماهيرية, واستقطاب القوي المناوئة والاستعانة بقيادات محبوبة وجذب الانتباه أو تحويله لأزمة أخري أكثر اهتماما والبحث عن كبش فداء وتكثيف وسائل الاعلام برسائل لتهدئة الجماهير. أما السيناريو الأسوأ فهو المواجهة العنيفة ويتم فيه مواجهة الاحتجاجات بعنف بالغ في مهدها بالتصفيات الجسدية, الاخفاء القسري والاعتقال والتعذيب وإحداث عاهات مستديمة والفصل والتشريد وتشويه السمعة والتحقر والازدراء وتلفيق القضايا وهو سلاح ذو حدين فقد يؤدي ذلك إلي المزيد من الخوف والهلع في نفوس الساخطين فيتوقفون لفترة أو قد يزداد لديهم الحنق والسخط, ويزيد التعاطف معهم, بالإضافة إلي مايؤدي عن ذلك من انتقادات من قبل المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان وحماية الحريات في الداخل والخارج. وكيف تري الأحوال في مصر الآن؟ مصر ستتعافي عن المرحلة السادسة لنظام التنبؤ وهي حالة انحسار التوتر( والعودة للتوازن) والذي يأتي كنتيجة طبيعية لإنهاك قوي المتصادمين وبامتصاص التوترات الشعبية وخصوصا أن هناك خاصية للشعب المصري هي التوحد عند لحظة الخطر لحماية آمنة ووطنه وذلك باحكام القوي المحافظة السيطرة علي الأوضاع الأمنية لتمتنع القوي المناوئة من حرق الاقتصاد والمنشآت وهز أركان الدولة.